لوس انجيلوس - إيليا أبو ماضي

أنا لست في دنيا الخال و لا الكرى
و كأنّني فيها لروعة ما أرى

يا قوم هل هذي حقائق أم رؤى
و أنا ؟ أصاح أم شربت مخدّرا ؟

لا تعجبوا من دهشتي و تحيّري
و تعجّبوا إن لم أكن متحيرا

كيف التفتّ رأيت آية شاعر
لبق تعمّد أن يجيد ليبهرا

مسحت بإصبعها الحياة جفونه
فرأى المحاسن ، فانتقى و تخيّرا

ما " لوس انجلوس " سوى أنشودة
الله غنّاها فجنّ لها الورى

خلع الزّمان شبابه في أرضها
فهو اخضرار في السفوح و في الذرى

أخذت من المدن العواصم مجدها
و جلالها ، و حوت حلاوات القرى

هي واحة للمتعبين ، و جنّة
للعاشقين ، و ملعب لذوي الثرى

كفّنت في نيويورك أحلام الصبا
و طويتها ، و حسبتها لن تنشرا

لكنّني لمّا لمحت زهورها
شاهدت أحلامي تطلّ من الثرى

تتنفّس الهضبات في رأد الضّحى
تبرا ، و في الآصال مسكا أذفرا

فالسّحر في ضحك النّدى مترقرقا
كالسّحر في رقص الضّياء معطّرا

قل للألى و صفوا الجنان و أطنبوا
ليست جنان الخلد أعجب منظرا

كلّ الفصول هنا ربيع ضاحك
فإذا ترى شهرا رأيت الأشهرا

إن كنت تجهل ما حكايات الهوى
فاتنصت لوشوشة النّسيم إذا سرى

وانظر إلى الغبراء تنبت سندسا
و تأمّل الغدران تجري كوثرا

و اشرب بعينيك الجمال فإنّه
خمر بغير يد الهوى لن تعصرا

حاولت وصف جمالها فكأنّني
ولد بأنمله يحوش الأبحرا

و استنجدت روحي الخيال فخانني
و كبا جواد فصاحتي و تعثّرا

أدركت تقصيري وضعفي عندما
أبصرت ما صنع الإله وصورا

إنّي شهدت الحسن غير مزيّف
بئس الجمال مزيفا و مزوّرا

أحببت حتّى الشوك في صحرائها
و عشقت حتى نخلها المتكبّرا

أللابس الورق اليبيس تنسكا
و المشخرّ إلى السماء تجبّرا

هو آدم الأشجار أدركه الحيا
لمّا تبدّى عرية فتسترا

إبن الصحارى قد تحضّر و ارتقى
يا حسنة متبديا متحضرا

و قفت ترقبه ليلة
مثل حظّ الأدباء الشّعرا

تكتم الظّلماء من لألأها
أيّ بدر في الظلام استترا ؟

أرسلت نحو لفتة
أذكرت تلك الدّراري القمرا

و إذا بالبدر قد مزّق عن
وجهه برقعه ثمّ انبرى

فأضاء الجوّ و الأرض معا
نوره الفضّيّ لمّا ظهرا

فرنت عن فاتر و ابتسمت
عن نظيم قد أكنّ الدّررا

ثمّ يا حبيبي مرحبا
لا رآك الطّرف إلاّ نيّرا

قف قليلا أو كثيرا معسى
نورك الباهر يجلو البصرا

إن تغب فالصّبح عندي كالدّجى
و الدّجى إن جئت بالصّبح ازدرى

لم تحبّ السّير ليلا فإذا
ذرّ قرن الشّمس عانقت الكرى ؟

أتخاف الشمس أم أنت كذا
تعشق اللّيل و تهوى السهرا ؟

ثمّ ناجت نفسها قائلة
أترى أبلغ منه وطرا ؟

ليت لي أجنحة بل ليتني
نجمة أتبعه أنّى سرى

و همّ البعض فقالوا درهم
ما أرى الدّرهم إلاّ حجرا

و لقد أضحكتي زعمهم
أنّه يشبه في الحجم الثّرى

زعموا ما زعموا لكنّما
هو عندي لعبة لا تشترى

و بدت غياض البرتقال فأشبهت
جلباب خوذ بالنضار مزرّرا

من فوقها انتشر الضذياء ملاءه
من فوقه جوّ صفا و تبلورا

و كأنّما تلك القصور على الربى
عقد لغانية هوى و تبعثرا

لمّا تراءت من بعيد خلتها
سفنا ، و خلت الأرض بحرا أخضرا

نفض الصّباح سناه في جدرانها
و أتى الدّجى فرأى مناثر للسرى

متألّقات كابتسامات الرّضى
تنسيك رؤيتها الزّمان الأعسرا

أنا شاعر ما لاح طيف ملاحة
إلاّ و هلّل للجمال و كبّرا

وزعت نفسي في النفوس محبّة
لا شاكيا ألما و لا متضجّرا

و مشيت في الدنيا بقلب يابس
حتّى لقيت أحبّتي فاخضوضرا

قد كنت أحسبني كيابا ضائعا
فإذا أنا شخص يعيش مكرّرا

فكأنّي ماء الغمام إذا انطوى
في الأرض ردّته نباتا مثمرال

ما أكرم الأشجار في هذا الحمى
فيها لقاصدها البشاشة و القرى

تقري الفقير على خصاصة حالة
كرما ، كما تقري الغنيّ لموسرا

ألبذل ديدنها سواء جئتها
متقدّما أم جئتها متأخّرا

فكأنّها منكم تعلّمت الندى
كما تغيث الناس إن خطب عرا

© 2024 - موقع الشعر