نَفَى الدَّهْرُ مِنْ عُمْرِي سِنِينَاً خَوَالِيَا - طاهر يونس حسين

نَفَى الدَّهْرُ مِنْ عُمْرِي سِنِينَاً خَوَالِيَا
فَلَا هِيَ تَلْقَانِي وَلَا الْقَلْبُ نَاسِيَا

أُضَاحِكُ ذِكْرَى الرَّاحِلِينَ بِبَسْمَةٍ
وَأُلْحِقُهَا دَمْعَاً عَلَى الشَّوْقِ سَارِيَا

أُبَدِّدُ أَحْزَانِي بِسَجْدَةِ لَاهِفٍ
تُسِرُّ لِرَبِّ الْعَرْشِ مَا كَانَ خَافِيَا

ولَٰكِنَّهَا تَهْوِي عَلَى حِينِ غِرَّةٍ
تُشَتِّتُ شَمْلِي ثُمَّ تَرْمِي الْمَآسِيَا

تَذَكَّرْتُ فَرْدَاً بَاتَ فِي الرَّمْسِ ثَاوِيَا
فَأَمْسَى فُؤَادِي بَعْدَ ذِكْرَاهُ خَاوِيَا

وَأَصْبَحَ لَيْلِي مُدْلَهِمَّاً بِصُبْحِهِ
وَمَا زَالَ دَمْعِي مُسْتَهِلَّاً وَجَارِيَا

وَأَنَّكَ لَوْ تَدْرِي بِمَا فِي فُؤَادِيَا
لَمَا لُمْتَنِي يَوْمَاً إِذَا بِتُّ نَائِيَا

فَيَا أَيُّهَا الْقَلْبُ الْكَلِيمُ إِلَى مَتَى
تَظَلُّ لِمَنْ صَمَّ الدُّعَاءَ مُنَادِيَا

ذَرُونِي أَقُولُ الشِّعْرَ أَنْعَى اللَّيَالِيَا
وَأَطْوِي بِهِ مَا صَارَ رَثَّاً وَبَالِيَا

قَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَايَ لَمَّا رَأَيْتُهُمْ
إِلَى الرَّحْلِ قَدْ هَمُّوا فَنَادَيْتُ رَاجِيَا

أَيَا آفِلَاً عَنِّي عَلَى مَتْنِ غَابِرٍ
أَتَبْقَى قَلِيلَاً كَيْ أَضُمَّكَ ثَانِيَا

أَتَمْضِي سَرِيعَاً هَٰكَذَا دُونَ رُؤْيَتِي
فَهَلَّا سَأَلْتَ الْقَلْبَ إِنْ كَانَ رَاضِيَا

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
وُحُزْنِي مَعَ الْأَيَّامِ قَدْ صَارَ مَاضِيَا

يُذَكِّرُكُمْ قَوْلِي بِمَنْ كَانَ وَافِيَا
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَنْكُمْ قَصِيَّاً مُجَافِيَا

وَلَا ضَجِرَاً أَبْدَى التَأَفُّفَ مَرَّةً
بِكُمْ حِينَمَا أَمْسَى بِهِ الدَّهْرُ نَابِيَا

لِيُنْبِئَكُمْ أَنْبَاءَ مَا كُنْتُ خَافِيَا
إِذَا مَا هَوَى نَجْمِي وَأَصْبَحَ خَابِيَا

وَعَنْ هَٰذِهِ الْأَيَّامِ أَمْسَيْتُ فِي غِنَىً
وَأَصْبَحْتُ فِي حِلٍّ مِنَ الْأَمْرِ لَاهِيَا

فَلَوْ أَنَّهَا أَبْقَتْ عُرَانَا كَمَا هِيَا
إِذَنْ لَرَأَتْنِي الْمُقْبِلَ الْمُتَمَاهِيَا

وَلَكِنَّهَا اعْتَادَتْ عَلَى الْوَصْلِ وَالنَّوَى
فَمَا عُدْتُ أَقْوَى أَنْ أَكُونَ الْمُضَاهِيَا

وَلَمَّا رَأَيْتُ الدَّهْرَ يَرْمِي المآسِيَا
دَعَوْتُ فَمَا رَدَّ الْإِلَٰهُ دُعَائِيَا

أَرَى أَنَّنِي وَالطَّيْرَ بِتْنَا سَوَاسِيَا
نُدَانِي الْفَلَا وَالشَّامِخَاتِ الرَّوَاسِيَا

رَأَيْتُ فَتَىً فِي النَّاسِ يَمْشِي مُنَادِيَا
أَلَا فَانْهَضُوا يَا قَوْمِ نَرْجُو الْأَمَانِيَا

وَيَا قَوْمِ إِلَّا تُسْرِعُوا تَطْوِ ذِكْرَنَا
أَكُفُّ الرَّدَى تَحْتَ الرَّغَامِ تَتَالِيَا

وَلَمْ أَرَ كَالْإِيمَانِ لِلْهَمِّ رَامِيَا
وَلَا كَإِلَٰهِ النَّاسِ لِلنَّاسِ حَامِيَا

وَإِنِّي لَأَهْوَى السَّيْرَ أَرْمِي الْمَرَامِيَا
وَلَا أَنْثَنِي مَا دُمْتُ أَبْغِي الْمَعَالِيَا

وَلَا أَعْتَلِي ظَهْرَ الضِّعَافِ وَإِنَّنِي
لَأَعْلُو عَلَى مَنْ بَاتَ فِي الْقَوْمِ عَالِيَا

وَلَا أَحْتَسِي مَاءَ الْهَوَانِ وَإِنَّنِي
لَأَخْلَعُ نَعْلِي ثُمَّ أَرْكُضُ حَافِيَا

وَلَا أَبْتَغِي دُنْيَا الْفَنَاءِ فَإِنَّهَا
سَتَنْزِعُ مِنَّا مَا ظَنَنَّاهُ بَاقِيَا

وَأَنِّي عَلَى رَيْبِ الْمَنُونِ لَصَابِرٌ
لَعَلِّي أَرَى مَا بَاتَ لِلْقَلْبِ شَافِيَا

وَأَنْأَى بِنَفْسِي عَنْ سَفِيهٍ يَسُبُّنِي
وَمَا لَهُ عِنْدِي مِنْ قَبُولٍ وَمَا لِيَا

وَأَمْشِي عَلَى دَرْبِ الزَّمَانِ بِمُفْرَدِي
وَأَتْرُكُ إِرْثَاً بَاقِيَاً مِنْ وَرَائِيَا

وَأَمْضِي إِلَى بَابِ الْإِلَٰهِ لَعَلَّنِي
أَحُوزُ رِضَاهُ وَالْجِنَانَ الْغَوَالِيَا

طاهر بن الحسين
© 2024 - موقع الشعر