ما ماسَ مُنعَطِفاً في قُرطَقٍ - صفي الدين الحلي

ما ماسَ مُنعَطِفاً في قُرطَقٍ وَقَبا
إِلّا وَعَوَّذتُهُ مِن غاسِقٍ وَقَبا

ظَبيٌ نَبا سَيفُ صَبري في مَحَبَّتِهِ
وَطِرفُ عَزمي بِمَيدانِ السُلُوِّ كَبا

مُتَرَّكُ اللَحظِ في أَخلاقِهِ دَمَثٌ
مُستَعرِبُ اللَفظِ تُركِيٌّ إِذا اِنتَسَبا

يَرمي بِسَهمٍ مِنَ الأَسقامِ أَسهَمَني
عَن حاجِبٍ لِلكَرى عَن ناظِري حُجَبا

صَعبُ القِيادِ فَإِن راضَت خَلائِقَهُ
كَأسُ المُدامِ أَلانَت مِنهُ ما صَعُبا

وَلَيلَةٍ جادَ لي عَدلُ الزَمانِ بِهِ
فَلَم يُفِد بَعدَها جوداً وَلا ذَهَبا

سُقيتُ مِن يَدِهِ طَوراً وَمِن فَمِهِ
كَأسَي سُلافٍ تُزيلُ الهَمَّ وَالكُرَبا

في جَنَّةٍ مِن رِياضِ الحَزنِ غالِيَةٍ
يُضاحِكُ الزَهرُ مِن نُوّارِها السُحُبا

قَد أَفرَشَتنا مِنَ الرَوضِ الأَنيقِ بِها
بُسطاً وَمَدَّ عَلَينا دَوحُها طُنُبا

بِتنا بِها لَيلَةً رَقَّت شَمائِلُها
كَيَومِها يَستَجِدُّ اللَهوَ وَالطَرَبا

أَسقي نَديمي بِها إِذ غَبَ ثالِثُنا
إِذا شَرِبتُ وَيَسقيني إِذا شَرِبا

مِن قَهوَةٍ كَشُعاعِ الشَمسِ مُشرِقَةٍ
إِذا جَرى الماءُ فيها أَطلَعَت شُهُبا

شَعشَعتُها فَأَضاءَ الشَرقُ مُنبَلِجاً
بِها وَقامَ لَها الحِرباءُ مُنتَصِبا

حَتّى إِذا أَمحَلَت مِنها زُجاجَتُنا
وَظَلَّ مِنها غَديرُ الدَنِّ قَد نَضَبا

نَبَّهتُ راهِبَ دَيرٍ كانَ يُؤنِسُنا
تَرجيعُهُ الصَوتَ إِن صَلّى وَإِن خَطَبا

بادَرتُهُ وَقَرَعتُ البابَ واحِدَةً
قَرعاً تَوَسَّمَ مِن إِخفائِهِ الأَدَبا

فَقامَ يَسحَبُ بُردَيهِ عَلى مَهَلٍ
فَما اِشتَشاطَ بِنا خَوفاً وَلا رَعَبا

وَجاءَ يَسأَلُ عَمّا لَيسَ يُنكِرُهُ
مِمّا نَرومُ وَلَكِن يُثبِتُ الطَلبا

فَقُلتُ ضَيفٌ مُلِمٌ غَيرُ ذي طَمَعٍ
في الزادِ لَكِنَّهُ يَرضى بِما شَرِبا

فَأَطلَقَ البابَ إِذناً في الدُخولِ لَنا
وَقالَ هَذا عَلَينا بَعضُ ما وَجَبا

وَجاءَنا بِسُلافٍ نَشرُها عَبِقٌ
شَمطاءُ قَد عُتِّقَت في دَنِّها حِقَبا

أَفنى المَدى جِرمَها حيناً فَلو مَكَثَت
في الدَنِّ حَولاً لَكادَت أَن تَطيرَ هَبا

فَأَترَعَ الكَأسَ حَتّى فاضَ فاضِلُها
بِكَفِّهِ وَسَقاني بَعدَما شَرِبا

فَمُذ رَأَينا سُروراً في أَسِرَّتِهِ
تَبدو وَكَفّاً لَهُ بِالنَورِ مُختَضِبا

كِلنا لَهُ فِضَّةً بِالكَفِّ فاضِلَةً
عَنّا وَكال لَنا مِن دونِهِ ذَهَبا

مِن قَهوَةٍ حَجَبوها في مَعابِدِهِم
وَعَلَّقوا حَولَها الأَستارَ وَالصُلُبا

فَبِتُّ أَسقي نَديمي مِن سُلافَتِها
راحاً تَكونُ إِلى راحاتِهِ سَبَبا

ما زِلتُ أَسقيهِ حَتّى مالَ جانِبُهُ
إِلى الوِسادِ وَأَغفى بَعدَما غُلِبا

حَتّى إِذا قُدَّ ذَيلُ اللَيلِ مِن دُبُرٍ
بِها وَسَلَ عَلينا صُبحُها قُضُبا

وَمَدَّ باعُ الضُحى كَفّاً أَنامِلُها
تُزجي الشُعاعَ وَأَخرى تَلقَطُ الشُهُبا

نَبَّهتُهُ وَجَبينُ الصُبحِ مُندَلِقٌ
وَقَد دَنا أَجَلُ الظَلماءِ وَاِقتَرَبا

فَقامَ يَمسَحُ عَينَيهِ بِراحَتِهِ
وَالنَومُ يُعقَدُ مِن أَجفانِهِ الهُدُبا

عاطَيتُهُ وَحِجابُ اللَيلِ مُنخَرِقٌ
راحاً تُخَرِّقُ مِن لَألائِها الحُجُبا

عَذراءَ تَعلَمُ أَنَّ الماءَ والِدُها
وَتَستَشيطُ إِذا ما مَسَّها غَضَبا

إِذا أَصابَ لُجَينُ الماءِ عَسجَدَها
أَرتَكَ دُرّاً يُزيكَ الدُرِّ مُحتَلَبا

وَبِتُّ في طيبِ عَيشٍ رَقَّ جانِبُهُ
مُرَفَّهَ البالِ لا أَخشى بِهِ نَصَبا

بِتنا نُقَضّيهِ وَالأَيّامُ تُنشِدُنا
ما كُلُّ يَومٍ يَنالُ المَرءُ ما طَلَبا

وَالدَهرُ قَد غَفَلَت أَيّامُهُ وَغَدَت
بِطيبِ ساعاتِهِ تَستَوقِفُ النُوَبا

فَلا تُضِع ساعَةً كانَت لَنا هِبَةً
مِن قَبلِ أَن يَستَرِدَّ الدَهرُ ما وَهَبا

© 2024 - موقع الشعر