المساكنة - زواج التجربة! - أحمد علي سليمان

إنْ شَرَّعَ الإنسانُ للإنسانِ
واستشرَفتْ مَنظومة الطغيانِ

والجاهلية أنشَبَتْ أظفارَها
حتى غدا الإنسانُ كالحيوان

وبغى بباطله الجَهولُ ، وما ارعوى
للحق يُشْهِرُ مَبدأ الإذعان

وانساقَ مُعتمداً على أهوائه
حتى يُشَرعِنَ فِتنة الشيطان

وأطاعَ كلُّ مُعربدٍ نزواتِه
ومضى يُغلّبُ ثورة الشَّهوان

واستسلمَتْ للمُجرمين عَقائلٌ
فإذا بهن دَواعرُ النسوان

واستوردَ الأقوامُ ألوانَ الخنا
وطرائقَ الإفساد والعِصيان

إنْ أصبحتْ دِيناً صَنائعُ هزلِهم
والحقُّ ضاعَ لصَولة الأديان

فأقمْ على دنيا الخلائق مأتماً
وابكِ الضياعَ جنى على الإنسان

الغربُ جندَلنا بشَرِّ سُفولهِ
وأعادَنا لعِبادة الأوثان

وُثُنٌ تمثَّلُ في التقاليد اعتلتْ
مَتنَ التحلل شاعَ في البُلدان

وأعارَنا وَثَنَ السقوط مُفتناً
يُودِي بنا في السرِّ والإعلان

مِن فسقه بَرىءَ (المسيحُ) وهديُهُ
إذ جاء بالتوحيد والإيمان

ودعا إلى الأخلاق قوماً أعرضوا
بل قابلوا بُشراه بالعُدوان

لمَّا يَعُدْ فيهم رَشادٌ أو هُدىً
وديارُهم خمِّتْ مِن الخسران

ودَعَوا إلى حُرِّيةٍ مَزعُومةٍ
ونكالها ما كان في الحُسبان

طاشتْ مَوازينُ التحضُّر عندهم
وهوى النفوس يُخِلُّ بالميزان

فإذا بمجتمع يُدَمِّرُه الزنا
ومِن الترَدِّي والهوان يُعاني

وأراه فاجأنا بأحقر عادةٍ
بالله ما خطرتْ على الأذهان

قالوا: (المُساكنة) البريئة دَأبُنا
بين البنات تكونُ ، والشُّبَّان

في غرفةٍ قد رَحَبتْ بثلاثةٍ
مِن أحقر الأجوار والسكان

ببُنيَّةٍ مَرضية ، وبجارها
وبثالثِ المجموعة الشيطان

أغرابُ ما بين الثلاثة كُلفة
وسيدفعُ الإيجارَ بعدُ اثنان

هذي الخَريدةُ ، والمُكَرَّمُ جارُها
ماذا العلاقة أيها الجاران؟

أخَوان؟ لا زوجان؟ لا ماذا إذن؟
إن العلاقة صُحبة الخِلان

هي زوجة إن شاء دون مَواثق
لا ضيرَ ، هذي عِشرة الأخدان

هي جارة وجوارُها متحققٌ
بين المساكن دونما استهجان

هي أختُه إما أراد إخاءها
لا شيء أجملُ مِن عطا الإخوان

وهنا سؤالٌ حائرٌ يغشى الحِجا
ويُريبُ قطعاً كل ذِي رُجحان

في شَرع مَن هذا التفحُّشُ جائزٌ؟
هل أضحتْ الأبياتُ سُوق غواني؟

قالوا: يُجرِّبُها ، وبعدُ يُحبُّها
ثم الزواجُ تتمة البرهان

إذ بالتجارب تستبينُ مناقبٌ
لمَّا تُشاهدْ قبلها العينان

هذا انحطاط لا سبيل لوصفه
وإذا استُحِلَّ فخصلة الكُفران

لو نافعٌ لأحَله ربُّ السما
ولجاءنا في شِرعة العدنان

يا ربِّ جَنبْنا الفسوق وأهله
إنَّ اتباعَ الفسق شرَّ هَوان

مناسبة القصيدة

(لقد أصبحنا نعيشُ حقاً في زمان عجيب. وأعجبُ شيءٍ فيه الجرأة على ثوابت الدين. وكان آخر الغوايات والضلالات (المساكنة – زواج التجربة). فتسكن الفتاة مع الفتى في الغرفة الواحدة يجرب كلٌ منهما الآخر ، فإذا استقامت العِشرة كان ذلك دليلاً على نجاح الزواج بعد ذلك. ولقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم". ووجود امرأة في شقة وحدها مع رجل وحده من أخطر دواعي الفتنة والخلوة ، ولو كان كل منهما في غرفةٍ مستقلة. فقد اشترط أهل العلم لجواز المساكنة بين الأجانب أن لا تكون المرافق مشتركة بينهما كالممر والمدخل والحمام والمطبخ... فإذا كان شيء من ذلك مشتركاً ، فلا يجوز لهما السكن بذلك المكان. قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية: "فإذا سكنت المرأة مع أجنبي في حجرتين أو في علو وسفل أو دار وحجرة اشترط أن لا يتحدا في مرفق كمطبخ أو خلاء أو بئر أو سطح أو مصعد ، فإن اتحدا في واحدٍ مما ذكر حرمت المساكنة ، لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة ، وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد ، أو أغلق لكن ممر أحدهما على الآخر أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر". وعلى هذا فلا يجوز لك السكن في هذه الشقة مع هذا الرجل الأجنبي لما في ذلك من الخلوة المحرمة شرعاً ، إن هذه المساكنة الملعونة ما قامت إلا لنشر فتنة أو رذيلة تعبث باستقرار المجتمعات وأبنائها ، وتروج للفواحش المنكرة ، والأفكار الوافدة ، التي تحاول النيل من ثوابت مجتمعنا المحترم. من أجل ذلك كله كانت قصيدتي: (المساكنة – زواج التجربة).
© 2024 - موقع الشعر