حسن طوبار! - أحمد علي سليمان

حيِّ البطولة حازتْ ذِروة المجدِ
ما قال صاحبُها يوماً: أنا وحدي

أو قال: تقهرُني الخطوبُ عاتية
وللأعادي بلاءٌ بالغ الكيد

أو قال: كيف أخوضُ الحربَ أشعَلها
رأسُ (الفرنسيس) في الأصقاع والبُلد؟

أو قال: شَيبي تغشَّاني ، فسربلني
فقابَ قوسين أو أدنى من اللحد

أو قال: نحن غثا في وجه مرتكن
إلى العتاد وطول الباع والجُند

أو قال: أرجو ووضعي ليس يُسعِفُني
فهل رجائي سيَهديني إلى الرُّشد؟

أو قال: في بلدي الأحزابُ ما اتحدتْ
وما لفرقتها – في الدار – مِن حَدِّ

أو قال: ما خططي؟ وأين تجربتي؟
حتى أواجه بالتصميم والعِند

أو قال: ما نفعُ فردٍ يلتقي أمماً
فهل ستهزمُها شجاعة الفرد؟

أو قال: بالخُطب التحريرُ مرتصَدٌ
وليس تحتاجُ مني أعظمَ الجُهد

بل قام في الناس يستجدي مقاومة
تُصْلِي (الفرنسيسَ) ناراً جَمَّة الوَقد

وعَبَّأ الشعبَ ضِد الغاصبين حِمىً
وصاح في الحُرِّ محتجاً ، وفي العبد

وفي (البُحَيرة) لم تركنْ مَراكِبُهُ
إلى البُغاة ، فمَن للدفع والصد؟

وخط (ريبو) عن البسالة انفعلتْ
كالبحر فاضلَ بين الجَزْر والمَد

سِفراً تناولَ أبطالاً لهم جَلدٌ
يأوون للشرف الرفيع والمجد

في أربعين رئيساً شيخهم حسنٌ
في البأس سيدُهم ، والأمر والصيد

زمانُه عَز عن مِثل وعن شَبَهٍ
وإنْ يكنْ جاد بين الخلق بالضد

لا في الأعارب إن فتشت ، أو عَجَم
وليس في الصين لو تدري ولا الهند

مستبسلٌ في لقا الأعداء عن رغب
والسيف في الكف لا يأوي إلى الغمد

واقرأ أماديحَ (لوجيهٍ) تُبَجِله
من أن (طوبارَ) وافى ذِروة المجد

أحصى المراكبَ والمتاجرَ اشتهرتْ
بالجود تشفعه طهارة اليد

وللمصانع سِيط ليس يجهله
أهلُ المروءة عن قرب وعن بُعد

وللمزارع تشجيرٌ تدل به
وبالعطا عُرفتْ ، والبذل ، والرِّفد

وإن قرأت لأندريوسَ يمدحُه
مدحاً صفا من بقايا الكُره والحقد

طوبار مِن خير إقليم وعائلةٍ
وخير أصل إلى الشآم ممتد

وإذ أتى قدُماً (داماسُ) زلزله
طوبارُ في فيلق الوحوش والأسد

و(الجمَّالية) بالأحداث قد شَهدتْ
إذ لقِنتْ درسَها كتائبُ الوغد

و(الرافعي) جنى الأخبارَ قد رُصِدتْ
مَن مِثله يا تُرى في الجمع والرَّصد؟

أما (فِيالُ) فأهدى (الشيخ) يحسَبُه
للمال يَطمعُ في التوفير والزيد

فلم يُقابله (طوبارٌ) ، وخادعَه
وكيف يُوفِي له في القول والوعد؟

وردَّ سيفاً لنابليون أرسله
هدية ، والعليمُ الله بالقصد

وللجَبَرتِيِّ أخبارٌ نتيهُ بها
تفوحُ مسكاً يُهادينا شذى الرَّند

مِن أن (دوجا) دعا للصلح معترفاً
بقوة الخَصم في الإثخان والرَّد

وفرَّ (طوبارُ) نحو الشام يجعلُ من
ديار (غزة) مأوى الشيخ والجُند

وعندما عاد كان الموتُ منتظراً
والناسُ عانوا مِن الرحيل والفقد

عليه رحمة رب الناس صُبحَ مسا
وأسعدَ الله هذا العبدَ في اللحد

مناسبة القصيدة

(المجاهد الشيخ حسن طوبار ، شيخ إقليم المنزلة بمحافظة الدقهلية والزعيم الشعبي له وشيخ العرب كما أطلق عليه القادة الفرنسيون ، أحد أغنياء مصر في عهده ، والقائد والمحرض لأعنف مقاومةٍ شعبيةٍ ضد الحملة الفرنسية وجيشها المحتل في نهاية القرن الـ 18. وقد هاجر من بلاده في الأشهر الأولى من الحملة وعاد إليها بعد الزحف على سوريا ، وأذن له الجنرال بونابرت في الرجوع إلى مصر ، فأذعن من يومئذ وأخلد للسكون ، وقد خلفه في شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبي طوبار. هذا ولا يزال حسن طوبار يذكره كبار السن إلى الآن في جهات البحر الصغير والمنزلة ، ويسمونه "حسن طوبار الكبير الذي حارب الفرنسيس من أجل ذلك ، كتبتُ من شعري هذه القصيدة ، أصف بطولة وشهامة وحب حسن طوبار ، لمصر وأهلها.)
© 2024 - موقع الشعر