عجوز مباركة! - أحمد علي سليمان

مَلها الكلُّ ، وقالوا: شائنة
ولِعُرف الناس ليستْ صائنة

تبذرُ الشحناءَ تستعدي بها
ما تُلاقي مِن نفوس حاقنة

تزرعُ البغضاءَ في أوساطنا
ومِن التوبيخ تُمسِي آمنة

صَحِبتْها للتداوي بنتُها
وارتجتْ موتاً لأم شائنة

وهنا رَقتْ لها دكتورةٌ
قبلتْ بالطوع دَورَ الحاضنة

إيهِ يا أختُ اجعليني بنتها
ثم زوريها بداري الشاطنة

فارتضتْ فوراً ، ولا لم تعترضْ
فرصة لاحتْ لبنتٍ غابنة

فإذا بالخير يأتي مُقبلاً
وانقضتْ بلوى ، وزالتْ شاجنة

واهتنتْ في عيشها دكتورةٌ
وأمورُ العيش أمستْ سادنة

كم أذلتْها ديونٌ أمحلتْ
فاستحالتْ للبرايا دائنة

وإذا التيسيرُ يغشى أهلها
بعد أحوال البلاء الطاحنة

والعجوز عاشرتْهم عِشرة
بسنا المعروفِ كانت زائنة

لكن البنتُ ابتلاها ربها
بحياةٍ بالتردِّي آسنة

واعتلى الضنكُ ذرى أيامها
لم تكنْ للودِّ يوماً صائنة

ابنة العشرين ، لكنْ شيِّبتْ
ثم صارتْ بالتعَدِّي طاعنة

أرجعتْها دارَها ، ترجو بذا
عِيشة فيها السجايا بائنة

ندمَتْ أنْ فرَّطتْ في حقها
عزمَتْ ألا تكون الخائنة

فالعجوز لقنتْها درسَها
ثم باتتْ بعد لأي ساكنة

بركاتُ الست تُزري بالتي
أنكرتْها دون وعي راعنة

سَلفٌ من بعده دَين بذلنا
ليتها كانت لهذا فاطنة

مناسبة القصيدة

(تروي طبيبة تحاليل شابة ، ذات يوم دخلت علي المعمل شابة ومعها ابنتها الصغيرة وسيدة أخرى كبيرة! وكانت الشابة تجر السيدة الكبيرة جرًا من يدها ، فشعرت الطبيبة بالغضب لكنها تمالكت نفسها وقالت للشابة: رفقًا بالسيدة العجوز لماذا أتيت هنا اليوم؟ قالت الشابة: أريد أن أجري لها تحليلاً لمرض السكري وأتمنى أن تكون مصابة به وتموت لأرتاح منها ، على الفور خمنت الطبيبة أن تلك السيدة هي أم زوج الشابة فقالت لها: رفقًا بأم زوجك فهي مثل أمك ، ولا يجب أن تتعاملي معها بمثل تلك الطريقة ، فقد أنجبت لك زوجك وسهرت عليه وربته ، وكانت المفاجأة أن قالت لها الشابة: إنها ليست أم زوجي ، بل هي أمي ، لكنها لم تجلب لي سوى المشاكل ، فهي تعيش معي منذ خمس سنوات ، منذ أن كان زوجي عامل بناء بسيط ، واليوم أصبح زوجي مقاولاً كبيراً ، وهذه السيدة تسبب لي الكثير من المتاعب ، وأخشى أن يطلقني زوجي بسببها! هل تتخيلي أنها تقوم برش الماء من الشباك على المارة ، ثم قالت الابنة: هل تعرفين مكان دار مسنين لأضعها فيها ، ففكرت الطبيبة بعض الوقت وقالت: عندي لك حل ؛ سيريحك ويريحها! إنني أعيش مع أمي وأخي الصغير فقط ، ومنزلنا كبير ، وأنا استطيع رعايتها ، وعندما تشتاقين إليها يمكنك المجيء لزيارتها في أي وقت ، ففرحت الابنة ، وغادرت العيادة على الفور ، وكأنها قد تخلصت من عبء ثقيل ، وبعدما انصرفت قالت الأم بكل براءة: أيرضيكي يا ابنتي أن تضربني على وجهي لأني أرش ماءً على المارة في الأيام الحارة لأخفف من حرارة الجو ، قالت الطبيبة: لا يرضيني يا أمي ، ومن اليوم سوف تقيمين معنا ، وسوف تفرحين كثيرًا مع أمي ، وبعد انتهاء العمل اصطحبت الطبيبة السيدة معها ، وطلبت من أمها أن تكرمها ، وقد فرحت الأم أنها ستجد شخصاً يؤنسها في وحدتها ، وأصبحت تعاملها كأختٍ لها ، وبعد أسبوعين فقط من إقامة السيدة مع الطبيبة ، زارتها إحدى قريباتها وأخبرتها أن هناك خاطبين يريدان التقدم لرؤيتها ، وتمت ترقية الطبيبة ، فقالت الطبيبة لأمها: سبحان الله يا أمي لقد تقدم لي خطيبان وأنا في الثلاثين من عمري ، وترقيت في عملي وكل ذلك ببركة تلك السيدة العجوز ، وقبل أن يمر شهر أتت الابنة لمنزل الطبيبة ، وقالت لها: أريد أمي أيتها الطبيبة ، فمنذ أن تركت أمي والمصائب تطاردني ، فقد سقط أحد المنازل التي بناها زوجي دون أن نعرف السبب ، وهو الآن محبوس في قسم الشرطة وابني مريض بالمستشفى ، لقد رزقنا الله عز وجل المال والأولاد والهناء وراحة البال عندما كانت تعيش معنا ، أما الآن فقد زالت البركة من منزلنا بسبب عقوقي لها ، وعندئذٍ خرجت الأم من حجرتها التي خصصتها لها الطبيبة ، وقالت لابنتها: أهلًا بك يا ابنتي لقد اشتقت لك كثيرًا ، وسوف استأذن ابنتي الطبيبة لأعود معك حتى أهتم بك وبأبنائك ، حتى يزيل الله الكرب عنك وعن زوجك بإذن الله! والحكمة من هذه القصة المؤثرة: أن من خسر رضى والديه خسر الدنيا والآخرة فهما حقاً تأشيرتك إلى الجنة ، فتأملها وراجع نفسك قبل فوات الأوان! والعاقل من وعظ بغيره من الناس!)
© 2024 - موقع الشعر