مصر تتحدث عن نفسها - معارضة لحافظ - أحمد علي سليمان

وقفَ الخلقُ بين أخذٍ ورَدِّ
ينظرون آياتِ عِزي ومَجدي

يرقبون فخراً يروحُ ويغدو
مثلَ بَحر ما بين جَزر ومد

يَرصُدُون الأمداحَ تختالُ زهواً
كالها عُشاقي وطلابُ وُدِّي

يَعجبون ممن يُحبون أهلي
حاملين باقاتِ زهر وورد

واسألوا التاريخَ المُوَثق عني
والنصوصُ تحوي صَدوقَ السَّرد

واسألوا الاستشراقَ عن كل خُبْر
بعضُ أهليهِ بالغوا في الحَيد

واسألوا جيلَ الباحثين النشامى
إنهم خطوا باقتناع ورُشد

كم بأسفار العِلم كم مِن خبايا
أظهرتْها كَفٌ تَعافُ التعدِّي

كم أعادٍ ساقوا شهادة صِدق
لم تُمِلهم عنها بوادرُ حِقد

مَن سيُحصِي أندى البراهين عَدَّاً
أو يُوافين جُهالنا بالحَصد؟

مَن يَعُدُّ مناقباً ليس تُحصى
ما لها مِن رَدٍ يفي أو رصد

قصَّتي مِن سالف الدهر لغزٌ
حَلهُ يأتي بعد فِكر وجُهد

والحكايا طويلة لا تُبارى
نصُّها كم يأوي لعُمق السرد

منذ فجر التاريخ كان ابتدائي
في رُواياتٍ ما لها مِن عَد

كنتُ بعد الطوفان مَعقِلَ سِلم
إذ أهَلَّ (مصرايمُ) الخير عندي

وأقامَ الإسلامَ فوق ربوعي
خيرُ دين أتى به خيرُ مَهدي

واقتطعتُ اسمي منه رغم الأحاجي
ذي ادِّعاءاتٌ ما لها مِن حَد

أنبياءُ الرحمن حَلوا بأرضي
سبعة زانوا مُسلمِيَّ وبُلدي

و(المسيحُ) والأمُّ جاءا بأرضي
شرَّفاني ، مَرحى بأكرم وفد

سائلوا (الهكسوسَ) الذين غزوني
وانتصرتُ في ردعهم والتصَدي

فإذا (النوبيون) حَلوا غزاة
شرُّ قوم كانوا ، وأتعسُ عهد

وبنو (آشور) أتوني غزاة
مُوغِلين في بطشهم والتحدي

وكذا (الحَيْثِيون) جاؤوا غزاة
جَندلوني في شر غزو وحَرد

و(المجوسُ) الفرسُ اعتدوا دون حق
أشعلوا ناراً ألجأتْني لخمد

وكذا (الإغريقُ) الدَّهاقينُ جاروا
قوم سُوءٍ حَلوا وأشرسُ حشد

والطغاة (الرُّومانُ) شَرٌ طِباعاً
إذ أتوني أحسنتُ ظني وقصدي

أكرهوني على اعتناق الخطايا
دون تمحيص أو أثارة نقد

فاستغثتُ (الفاروقَ) يُنقذ أهلي
مِن بلاءٍ مِن بعد سَجن وقيد

فأتاني (ابنُ العاص) غوثاً مغيثاً
ولربي أكثرتُ شكري وحمدي

فاتحاً للإسلام داراً تُقاسي
وطأة الروم المعتدين المُرد

ثم دارتْ معاركٌ جَمَّلتْني
وصِحابُ (المختار) أشرفُ جُند

خمسة الآلاف احتواهم تُرابي
كل فذٍ واراهُ أطيبُ لحد

وابتُليتُ بال (فاطميين) حرباً
تجتني توحيدي وديني وسعدي

أفسدوا عَيشي بالضلالات شتى
أشركوا جهراً بالمليك الفرد

إذ أجازوا دعاء غير إلهي
ثم دانوا المولى بدين الجَعد

ببني (أيوبٍ) تجاوزتُ ضنكي
إذ أتاني الشهمُ الشجاع الكُردي

يا (صلاح الدين) افتديت صلاحي
إذ مَددت للخير أعظمَ يد

قدت جيشَ التحرير ، لم تألُ جهداً
يوم عَز في مصرَ بذلُ الجهد

و(المماليكُ) أكملوا الدَّورَ لمَّا
مُكنوا ، ما ارتأوه ضداً لضد

حرروا الأرض والديارَ احتساباً
لم يذوقوا من أجلها أي رقد

وارتأيتُ في (آل عثمانَ) نجداً
لا يُدانيهِ في الورى أيُّ نجد

حققوا من أمجادهم ما استطاعوا
رغم ميل نحو المعالي وزهد

ثم حلتْ أرضي (فرنسا) انتقاماً
بَقِيَتْ عقداً ، كان أسوأ عقد

ذقتُ فيه العذابَ سِراً وجهراً
ثم أقصيتُ شانئي بالعمد

ثم جاءتْ (إنجلترا) كالمنايا
عسكرتْ قرناً فيه أشرسُ كيد

ثم أجليتُ المعتدين ببأس
عندما فاضتْ أحجياتُ التردِّي

كم قهرتُ الأعداءَ دون اكتراثٍ
ليس من تهجير العِدا أي بُد

كم حباني ربُّ الورى من نعيم
يَخطفُ الأنظارَ اصطفتْه ليُجدي

كم ذُكِرتُ في (الذكر) ذِكراً صريحاً
جعل اسمي يرنو لمسحة خلد

إن قومي أخوالُ (يَعرُبَ) قطعاً
أي مجدٍ من بعد هذا المجد؟

وادرسوا أقوال (المصطفى) إذ يُوَصِّي
عاملوني بالخير ، هذا قصدي

واقدُروا قدري ، لي عليكم حقوقٌ
ثبتتْ منذ الأمس حتى الغد

يُشرقُ الشرقُ إن نشرتُ خيوري
وإذا ما جُندلتُ لا يستهدي

ما بخِلتُ يوماً عليكم بشيءٍ
إن وَعدتُ وفيتُ صادق وعدي

أو تراني عاهدتُ ما خنتُ يوماً
كيف يحيا حُراً خؤونُ العهد؟

والفقيهُ (عبدُ اللطيف) سَلوهُ
عن سِماتي ، يُدلي بأصدق سَرد

ابنُ عبد الوهاب حصَّلَ عِلماً
من شيوخي أملى هُداهُ بنجد

قوم كُفوا عن نَيلكم من شؤوني
يَجلبُ النيلُ عاجلاتِ البيد

أسألُ المولى أن يُقِيلَ عَثاري
كي يعود الرخاءُ أثمرَ عَود

مناسبة القصيدة

(متى كانت مصر فرعونية يا قوم؟ أصلاً هؤلاء - الذين يقولون بفرعونية مصر - جهالٌ معرضون ضالون لا يذاكرون التاريخ. مصر بعد الطوفان أقام فيها جدنا المسلم المؤمن الموحد (مصرايم بن كنعان بن نوح) وإليه نسبتْ (مصر) فمتى كانت فرعونية؟ وأيهما أقدم: مصرايم بن نوح أم فرعون؟ هذا ليس كلامي. هذا ثابتٌ في كتب التاريخ التي كتبها الغابرون والحاضرون. والمستشرقون والمؤرخون. قرأته بالعربية والإنجليزية والفرنسية. وجاءها من الأنبياء إبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وموسى وهارون والمسيح عيسى وأمه مريم ابنة عمران صلى الله عليهم جميعاً وسلم. وجاء إلى مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه غازياً فاتحاً منقذاً لها من ظلم وبطش الرومان. ودفن في مصر 5000 صحابي في (بقيع مصر) بمحافظة المنيا. فلماذا لا نُنسَب لهؤلاء المسلمين الذين قامت حضارتهم على (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله)؟ ولماذا ينسبوننا إلى فرعون وحضارته الفرعونية التي قامت على (أنا ربكم الأعلى & ما علمتُ لكم من إله غيري & ما أريكم إلا ما أرى)؟ عودوا إلى صوابكم يا قوم ، واعدلوا في الكلام ، أو قولوها صريحة أنكم تُحبون الكفر والشرك وأهلهما؟ وذكر السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص609) أيضاً: عن عمرو بن الحمق مرفوعًا: (تَكُونُ فِتْنَةٌ أَسْلَمُ النَّاسِ أَوْ خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ) ، قال: فلذلك قدمت عليكم مصر. أخرجه الحاكم في مستدركه 4/495 ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه - ووافقه الذهبي.).هـ. حفظ الله مصـــــــر.)
© 2024 - موقع الشعر