اختلط الحابل بالنابل! - أحمد علي سليمان

أزهقتْ رُوحَ الحق ريحُ الخلافِ
ثم ولى مِن القلوب التصافي

قطعتْ أرحامٌ ، وضاعتْ حقوقٌ
والصفا ولى ، ثم حلَّ التجافي

جٌندلتْ أرواحُ الورى دون حق
والدماءُ كالوابل الغرَّاف

مُورسَ السِّحرُ والعرافة جهراً
بكلام ضاهَى رويَّ القافي

والصلاة مِن دون عُذر تُركتْ
والزكاة هِيضتْ بمَوتٍ ذُعاف

والصيامُ بالفِطر أهدِرَ عَمداً
واحتفتْ بالسوآى قلوبٌ هوافي

مَغرماً أمسى حَجُ بيتٍ حرام
ثم أمسى حِكراً على الأشراف

وعُقوقُ الآباء أضحى شِعاراً
والقراباتُ في لظى الاعتساف

والزنا والفحشاءُ سمتٌ ودأبٌ
والضحايا تُعَدُّ بالآلاف

والرِّبا أمسى مُستباحاً حَلالاً
والدَّهاقينُ مُثبتٌ ومُنافي

بالرجال اكتفى الرجالُ ، فضاعتْ
فطرة المولى بالسلوك الجافي

بالنساء اكْتفتْ نساءٌ زوان
في الشذوذ حَققن أخزى احتراف

واستُحِلَّ مالُ اليتيم احتيالاً
دون خوف الله المليك الكافي

وعلى الرحمن افترَى شَرُّ قوم
ثم دَسُّوا على ابن عبد مناف

ومِن الزحف المُستريبون فرُّوا
فاستُبيحتْ مَدائنٌ وفيافي

وانزوى الحُكمُ بالكتاب بعيداً
فابتُلينا بالظلم والإجحاف

وإذا العُجْبُ والتبختُرُ جُلى
لا تُقرُّ بالشرع والأعراف

وشهاداتُ الزور عَمَّتْ وطمَّتْ
في لقا مال باتفاق يُكافي

واحتساءُ الخمور دَنسَ داراً
لم يصلْ أهلوها لحَدِّ الكفاف

والقِمارُ يَغشى موائدَ شتى
والندامى قوادمٌ وخوافي

وغدا قذفُ المُحصنات فنوناً
وي كأن الأعراضَ دون عفاف

واستطالَ السُّرَّاقُ في كل وادٍ
والبرايا ما بين لاهٍ وغاف

ثم بات قطعُ الطريق اجتهاداً
أهله أوغادٌ مِن الأجلاف

يعتدون عمداً جهاراً نهاراً
وإذا وافى الليل بالإسداف

والخيارُ ما بين روح ومال
إنه مالُ الأعزل المستاف

واليمينُ الغموسُ راجتْ وطابتْ
لم يعدْ للأيمان بأسٌ ضافي

والمُكوسُ تُجبى بغير احتراز
في حياةٍ باءتْ بالاستضعاف

وانتحارُ الشباب في كل صُقع
والغَرورُ يهوى قلوبَ الضعاف

والرشاوى حَدِّثْ بدون احتياطٍ
جاوزتْ حدَّ الظلم والإسراف

والنساءُ لبسْن لبسَ رجال
واجتزأن الثيابَ للأنصاف

والرجالُ ارتدوا ثيابَ نساءٍ
ثم جابوا البقاعَ بالأفواف

واستساغوا (المِكياجَ) مثلَ الغواني
كي يسودَ السَّواءُ بعد التكافي

وانبرى الدَّيوثُ الرقيعُ يُداجي
لم يزرْه مِن سُؤدَدٍ أو طِراف

بائعاً عِرضاً ليس يُشرى بمال
ما لدَى الغِرِّ ذرة استعفاف

وارتأينا التحليلَ يَجتاحُ قوماً
مثل أصحاب السبت دون خِلاف

إنما ملعونٌ مُحللُ أنثى
طلقتْ يا ناسُ الطلاق الوافي

طلقتْ بالثلاث ، باتتْ حراماً
واقرأوا في هذا الجواب الكافي

والرياءُ في الناس أصبح طبعاً
جاوزوا فيه ذِروة الإيلاف

والنفاقُ في الناس يَختالُ زهواً
مُستهاماً في قمة الإسفاف

إذ أطلَ مِن جُحر ضَب غوي
مُستريب في خِسَّةٍ واعتساف

والعلومُ مِن أجل دنيا دَرَوها
هل رأينا في مثل ذا الانحراف؟

يُكتمُ العلمُ خوفَ نقمة غوغا
يا تُرى هل ذي سُنة الأسلاف

والأماناتُ خانها البعضُ عمداً
ثم أردتْها نهمة الأحلاف

والأذى والمَنُّ استباحا قرانا
والتردِّي يأوي إلى الأكناف

ويَسُبُّ الأقدارَ قومٌ عُتاة
لهمُ فينا سييءُ الأوصاف

والرضا بالمَقدور شرط أصيلٌ
جاءنا في (هُودٍ) ، وفي الأعراف

وارتأى البعضُ في التجَسُّس حلاً
حيث تُدرَى آثارُنا باقتفاف

وارتأى البعضُ في النميمة سلوى
عن هُراءِ قوم غفاةٍ دِياف

واللعانُ يُزري بأفواه قوم
كم يكِيلون اللعنَ باستظراف

وارتأى الغدرَ البعضُ طبعاً جميلاً
كيف راجَ الغدرُ باستخفاف

واسألوا (ليلى) عن تنبؤ بَلها
حيث صار التنجيمُ بعضَ احتراف

تعِسَ الكُهانُ الألى ضَللونا
بادِّعاءاتٍ تحتويها الخوافي

ونشوز النسوان أردى بيوتاً
والطلاقُ أمسى الدَّواءَ الشافي

مِن أذى الجيران القليلون عُوفوا
والكثيرُ باؤوا بشؤم اعتساف

وارتدى أشباهُ الرجال حريراً
دون عُذر ، أحقِرْ بذا الاقتراف

ثم في أيديهم حُليُّ نساءٍ
إن هذا معْ شرعنا مُتنافي

ذهبٌ في أعناق بعض رجال
هل رجالٌ هذا الشبابُ (الفافي)؟

واحتفالٌ به المَوالدُ قامتْ
واختلاط يزهو ببعض هتاف

ثم ذبحٌ فيها لغير إلهي
والقبورُ خُصَّتْ بشرِّ طواف

والنذورُ للأولياء احتساباً
يا تُرى هل هذا الرشاد الصافي؟

ثم أكلُ الميراث يَدمَغ قوماً
بالتعَدِّي ، بالقمع والإرجاف

تُحرمُ البنتُ مِن تُراث أبيها
والذكورُ يُؤونه بالعوافي

والحرامُ أودى بكل حلال
واحتوتْ قوماً تُرَّهَاتُ الخِلاف

وانظروا للأفراح ماذا دهاها؟
منذ بدء اللقاء حتى الزفاف

يُعقدُ العقدُ ، والعَروسُ تعَرَّتْ
ثم قام (المِكياجُ) بالإتحاف

واعترى الحفلَ الاختلاط ، وسادتْ
ضجَّة أودتْ بالوقار الضافي

واستُضيفَ الشيوخ سِراً وجهراً
والمُذيعاتُ في المُروط اللطاف

ثم جاء القريضُ يُدلي بدَلو
هل تُداوي هذي الجراحَ القوافي؟

تعبَ الوزنُ مِن تدَني البرايا
والقريضُ يُؤذيه سَيلُ الرعاف

والقوافي عَزتْ رحيلَ صِباها
بعد كيل الإكفاء والإصراف

ربِّ سَلمْ من ضَيعة الحق هذي
واكفنا شَرَّ المُنتهى يا كافي

مناسبة القصيدة

(لا أعلم عصرًا اختلط فيه الحلال بالحرام كهذا العصر. عصرنا عصرغريب ومُريب وعجيب. فيه اختلط الحابل بالنابل. وسادت الفوضى وعم الفساد ، وسرت رياح الشقاق والاختلاف ، وعق الرجل أباه وأمه ، وسخط الأخ على أخيه. وأنت المحبة والألفة والصفاء. وحلت محل المودة الكراهية والشحناء والبغضاء. وهذا مأذون يتلو آيات من كتاب الله تعالى ويذكر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على عريس أقرب إلى الخناثة منها إلى الرجولة ، وعروس شبه عارية في زفافٍ مختلطٍ اختلاطًا فاحشًا. وهؤلاء شيوخ علم ودين يجلسون أمام مذيعات متبرجات ليحدثوا الناس عن غض البصر ووجوب الحجاب. وهؤلاء لاعبو كمال أجسام يسجدون لله شكرًا وعوراتهم مكشوفة ، ولاعبات تنس يركض ويسجدن وعوراتهن مكشوفة. وذلك بعد أن استشرت عادة السجود شكراً في أرض الملاعب الكروية ، وانتقلت لملاعب التنس وحلبات المصارعة والملاكمة والباليه. وهؤلاء ممثلون وممثلات يقرؤون القرآن قبل مشاهد القبلات والتعري ، ويتحدثون عن كرم الله ورحمته وتوفيقه أن وفقهم للمعاصي وللفجور. وإذن فاختلاط الحابل بالنابل هو علامة واضحة على ضعف الإيمان بالله وضعف العقيدة والتوحيد. واستمراره واستفحاله هكذا على مستوى الأفراد والمجتمعات يعني أن الجميع يسعون نحو الهاوية والسقوط. والحلال بين والحرام بين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالحنيفية السمحة وبين لنا حلال الله تعالى من حرامه ، ومات وقد تركنا على المحجة البيضاء ،لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا يتبعها ويسلك سبيلها ، إلا كل منيب سالك.)
© 2025 - موقع الشعر