الزوجات وإهلاك الكتب! - أحمد علي سليمان

تصُونُ الهُدى الأنفسُ السامية
وتسمو به الهممُ العالية

وكُنا افتخرنا بأسفارنا
وأبوابها الجَمَّة الزاكية

وجُدْنا بأموالنا نشتهي
حِيازة أسفارنا الغالية

وعِشنا نوقرُها حِسبة
ونمنحُها الدفء والعافية

ونقرأها صفحة صفحة
وننهلُ أفكارَها الهادية

ولم يُعْينا عُمقُ ما تحتوي
مِن الوعي والصحوة السامية

فسِفرٌ يُعلمنا ديننا
ويَنصحُ باللفظة الحانية

وسِفرٌ يُصَحِّحُ أخطاءنا
ويُفصِحُ باللهجة الواعية

وسِفرٌ يُسَلي فيسمو بنا
إلى ذِروة النشوة الشادية

وسِفرٌ يدلُ بأشعاره
قد التزمَ الوزنَ والقافية

وسِفرٌ يُناجي أحاسيسَنا
ويَبعثُ أنغامَه الصادِية

وكنا نريدُ لزوجاتنا
مَحبة أسفارنا الضاوية

فيقرأنها يَستنرْن بها
إذا سادتِ الظلمة الداجية

يُزلن الجهالاتِ تُزري بمن
يكونُ لها أذناً صاغية

ويدعين للخير أهل الهوى
فمَهدية تنصَحُ الغافية

وخابتْ ظنونٌ شَرِقنا بها
وبُؤنا بنكبتنا الداهية

لقد حطمتنا جموعُ النسا
بتبديد أسفارنا العانية

فزوجٌ تبيعُ ولا تستحي
وتقبضُ أثمانها السالية

وزوجٌ تُحَرقُ في خِسَّةٍ
وتُشعلُ نيرانها الضارية

وزوج إلى البحر قد يَمَّمَتْ
لتُطعمها المَوجة العاتية

وزوجٌ تُمَزقُ أوراقها
وتُلقي القصاصاتِ في الهاوية

وزوجٌ بها زينتْ دارَها
لتُصبح مُزدانة باهية

وزوجٌ تُهادي ، وأخرى تُكافي
وثالثة تضربُ القاضية

كأني بهن غشين الوغى
وضِقن بمحنتها الجاسية

هو الجهلُ يُزري بأربابه
ويَمتحِنُ الأنفسَ الهاذية

يَميناً لقينا البلاءاتِ من
نساءٍ يَمِلن إلى الفانية

ويَزهدن في العيش وفق الهُدى
ولا يَنتبهن إلى الباقية

وأدمى الفؤادَ صَنيعُ النسا
بأسفار علم له حاوية

لنا الله في طغمةٍ ما ارعوتْ
وباتتْ على إرثنا عادية

على ما أتين يَفِيضُ الجوى
وتبكي على كُتْبنا الباكية

مناسبة القصيدة

(قليلٌ من الزوجات من يُعِنَّ أزواجهن الكُتاب أو الشعراء أو العلماء أو الباحثين أو المدققين أو المحققين على مهمة الكتابة والتأليف والتدقيق والتحقيق. وأقل من هذا الفريق من يعنين بكُتب ومؤلفات أزواجهن للأسف. ولكننا في قصيدتنا هذي مع نوع ثالثٍ من نساء الكُتاب والعلماء والأدباء والمحققين والمدققين والباحثين. هذا النوع يمكن تسميته عَدواتِ الكتب. حيث إن الواحدة منهن بينها وبين الكتب ثأر. فريق لا يحب العلم ولا العلماء ولا يحب الأدب ولا الأدباء ولا يحب البحث ولا الباحثين. ودورُهن هو إهلاك الكتب والتخلص منها. إما بالحرق وأما بالبيع لتجار الخردة والروبابيكيا وإما بالتبرع بها للباعة المتجولين ليضعوا فيها البذور والسوداني والترمس والحمص والكمون والفلفل والزعتر وما شابه ذلك كله. وباستقراء التاريخ أدركت مصداقية ما ذهبتُ إليه. فهذا هو بحر النحو والصرف والبلاغة والاشتقاق سيبويه: أحرقتْ زوجته كتبه ، لأنّه كان يشتغل عنها بتأليف كتابه ، فلمَّا عَلِمَ بذلك أُغشيَ عليه ، ثم فاق ، وطلّقها. وهذا هو الليث بن المظفر الذي كان مشتغلاً عن زوجته بحفظ كتاب "العين للفراهيدي" فغارت من الكتاب فأحرقته. وهذا هو الأمير محمود الدولة الآمري كان يقتني الكثير من الكتب ، فلمَّا مات كانت زوجته تندبه وترمي بالكتب في بركة ماء وسط الدار ، لأنَّه كان يشتغل عنها بهذه الكتب. وهذا هو إبراهيم العياشي المؤلف الذي قضى عشرين سنة في تأليف كتاب "حُجُرات النساء" فأغاظ ذلك زوجته لانشغاله عنها كثيراً ، فأحرقتِ الكتابَ فأُصيبَ الرجلُ بالشَّلل. وهذا هو محمد بن شهاب الزُّهْري: قالت له زوجتُهُ يوماً: واللهِ لَهذه الكتبُ أشدُّ عليّ من ثلاث ضرائر. تعني بذلك كتبه.) وكنتُ أتمنى أن تهتم الزوجات بهوايات وتخصصات أزواجهن.)
© 2025 - موقع الشعر