الشاعر محمد بن فوزان
شاعر كويتي مبدع عاش في القرن الثامن عشر ، ولولا ما أورده عبدالله الحاتم في " خيار ما يلتقط من الشعر النبط " له من قصائد قليلة لكاد النسيان أن يلفه بعباءته الثقيلة ، ولم نحظ بتعريف له سوى سطور معدودة من الحاتم نتعرف منها على المكانة الشعرية البـارزة التي حازها " محمد الفوزان " إذ يقول : " شاعر الكويت على الإطلاق محمد بن فوزان ويسمى" حليق الذهب " – تصغير حلق – لندرة وجودة ما يقـول ، وقضى جل حياته في فاقة وعوز شديدين على عكس ابن فرج الذي ترك لـه والده ثروة طائلة جداً ، وقد ظن الناس أنها لا تفنى ولو عمل ما عمل لكـن الفرج مات ميتة الفقراء المعدمين عام 1319هـ ( 1901م ) بعد وفــاة زميله محمد الفوزان بحوالي خمس سنوات أما ابن فوزان فقد ذكر لي أحد الطاعنين ممن عاصره ورآه أنه مات شيخاً " .
انتهى كلام الحاتم ، ومنه نعــرف أن الفــوزان توفي سنة 1314هـ ( 1896م ) أي في السنة الأولى من حكم الشيخ مبـارك الصباح ، وبما أنه مات " شيخاً " فلعله عاش سبعين عاماً أو أكثر ، ولعـل مـولده قبل التاريخ الذي حدد الباحث طلال السعيد وهو سنة 1251هـ بسنوات قليلة.
ولا يورد الحاتم في كتابه للفوزان سوى خمسة نصـوص هي كـل ما نعرفه لهذا الشاعر الذي ضاع معظم تراثه وكم أتمنى أن يفيدنا القراء بمــا يعرفونه من تراثه أو معلومات عن حياته إن كان يتوفر لديهم ذلك .
النصوص الخمسة التي ذكرها الحاتم جـاءت اثنــان منها منفردة بينما القصائد الثلاث الأخرى في مخاطبة عبدالله الفرج أو الـرد عليها ، وجميعها على بحر شعري واحد هو المسحوب .
· القصيدة الأولى تتكون من 22 بيتاً تدور في مجـال الحكمـة والنصح على قافيتي الشين والميم ومطلعها :
أصبر على مـــا جاك من وقتك اللاش
واستر على الشدات راعي عــزايم
ومن أبياتها الرائعة قوله :
المرجلــــة لــو هي على الهون تنحاش
حاشوا لها حتى العفون الخمـايم
واياك لا تــــدعي قصـــــيٍّ وفتــاش
على عيـــوب الناس وبك التهايم
ومن الردي لو تكســـب الدرّ وقمــاش
إترك ممـــــاشاته وكن عنه شايم
وارع الصديق اللي إلا صابك ادهــاش
خـــــوفٍ لقيته في مصابك مسايم
ويستمر الفوزان في النصح في القصيدة التي بدو أنه قالهـا في أخريات عمره وقد مسه الفقر والعوز الذي ذكره الحاتم :
هـــــذا زمـــــانٍ جاز به كل عشاش
أو واحــــدٍ فتّان راعــــي نمايـم
من جا بـــلا دعـــوة فيقعد بلا فراش
هــــذا طفيــــلي يستحق الشتايم
لا وا على مــــن يطرش اليوم مطراش
كــــلاّ ولا ودّي بكسب الغنايـــم
ما قصــــــدي إلا بالتفرّج عن الجاش
من شن لجا به مــــن أمور عظايم
· أما القصيدة الأخرى فهي في مجال الغزل على قـافيتي الحـاء والياء وتتكون من 12 بيتاً فقط ومطلعها :
العـــين طـــول الليل تسهر من النوح
يصخف لحالي كل من يسمع بكاي
ومن جميل أبياتها قوله :
الله يلّــــد الحـــــب راعيــه مفضوح
مسرع يبيح السد مــــــا هوب كمّاي
على غزالٍ هــــايفٍ القـــــد مملــوح
خطّاف لعقول العشـــاشيق سبــــّاي
غـــــروٍ مشقّيني على غــــير مصلوح
إن جيـــــت في ملواه مـــاجا بملواي
يالزين ممدوحٍ ولاهـــوب ممــــــدوح
بالوصل وعّـــــادٍ ولاهــــوب وفــاي
وإن راد مني الــــحلّ ما هوب مبيوح
يلقى الـــــذي بالشيــــن سوّاه وياي
· أما القصـائد الثلاثة الباقية فكان سبب الأولى أن الشاعر عبدالله الفرج وكان أصغر سناً منه أرسل إليه قصيدة يعاتبه فيها ، وكعادة الفرج فقد استخدم طاروقاً سبق أن تراد عليه الشاعران محمد بن لعبون وعبدالله بن ربيعة ، وفي قصيدته يقول الفرج :
كثــــــر الحكــــي ما هو لنا العوايد
لا وانــــت تــدري يا محمّد فلا ازيد
إلا ولا طـــــرفٍ على الخلـــــق نايد
لو لا حكايــــا بعـــــض ناسٍ مقاريد
ويتضـح مـن قصيـدة الفرج إن ما وصله من الفوزان آلمه ، ويبدو أن الوشاية كانت تزعم التقليل من شاعرية الفرج فكتب إليه يعاتبه :
جتنــــا علومــك تنتخي كــالجرايد
يشتـــــان منهــا مسمع القين والسيد
غنّى بها الساجع بروس الجــــــرايد
يا محمد الفــوزان ..وش ذا الهرابيد؟
أثــــرك صحيــــحٍ مثــل ما قيل عايد
ترمي علينـــــا بالحكـــــايا جلاميد
ما ســــاد من حكـــي القفا كل سايد
إلا عليـــــه مــــن الـــمواثيم تشديد
يا من عراه القيل مثـــــل الرفـــــايد
ردّة ترى ما الرد عن فـــاك ببعيد !!
فرد الفوزان مؤكــداً كذب الوشاية ومطمئناً صديقه بقصيدة تتكون من 26 بيتاً :
أنا معـــــك صـــــرنا بنظــم القصايد
مــــا بيننـــــا فرقٍ كما العبد والسيد
نظم الشعر يصلـــــح لشـــرواك هايد
مستـــــانسٍ بالكشــك ما معه تنكيد
دراهمٍ تعمـــــل وراهـــــــا فـــــوايد
تــــاكل بهــــا من المحاصيل وتزيد
والا فانا يــــا صــــــاحبي في نكـايد
متكشّفٍ بـــــين العنــــا والتـــلاديد
ويمضي الفوزان إلى موضوع العتاب وتكذيب الوشاية فيقول :
تشـــــره عليّ وتقــــول تحكي زوايد
ترمــــي علينــــــا بالحكايا جلاميد
لك الشره إن كـــــان صـــــجّ ووكايد
لكن ترى كذبٍ ولاهــــوب تــــوكيد
معرض عن الدانيـــــن هــــم والبعايد
لوني قـــــريبٍ صـــــايرٍ كني بعيـد
· ثم وجـه الفـوزان بعـد ذلك قصيـدة للفرج لعلها في إذهاب ما علق بالأذهان من الوشاية تتكون من 17 بيتاً مطلعها :
إســــــمع جــوابٍ كاليواقيت وقماش
ملفــــــاه مــن يبخص خوافي معانيه
ابن فرج كسّـــــاب الأمثــــال ببلاش
سهلٍ عليه القيــــل يدعيه .. ويجيه
ما هوب مثلي عنـه الأمثال تنحـــاش
لو كان يبغيها فــــلا هيــــب تبغيه
ياليت مــــن يطـــرش هالأيام مطرش
لـــــو فــــــارق ربوعه وفارق أهاليه
ينصـى الغروس اللي على كفّة الطاش
يا كودها عـــــن ضيــــم قلبه تسليّه
ورد ابن فرج بقصيدة طويلة شاركـه فيه الشكوى من الزمان ، ونستفيد من مطلعها أن مصطلح " الشعـر النبطي " كـان مطروحاً في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بشكل عادي بين الشعراء ن وذلك في قوله :
شعـــــر النبط من سابقٍ نظمه الجاش
مــــــا هوب طربٍ له ولاهوب هاويه
· وفي القصيدة الخامسة للفوزان يوجه الخطـاب أيضـاً لابـن فرج في قصيدة على قافيتي اللام والعين وتتكون من 23 بيتاً مطلعها :
الله مـــــن كثـــــر الهواجيس بالبال
ياليـــــت بفــــراق الهوجيس ساعة
وفي القصيدة يكرر محمد الفوزان شكواه من الفقر ، ولعله كان يلجأ لهذه المفارقة في الخطاب مع الفرج الذي كان يتميز عنه بالثـراء قبـل أن تفنى ثروته في سني عمره الأخير ، فيقول الفوزان :
إعـــــرف ترى بالمال تصليح الأحوال
والا الفقر ما فيـــــه كــــود الشناعة
رجلٍ بـــــلا مــــالٍ فلا هوب رجّال
لوّ هو على الجسرة طويــلٍ ذراعه !!
ويرد عليه الفرج بقصيدة طويلة يحمل فيها على الزمان وتقلباته .
هذا ما لدينا من شعر الفوزان وهو لا يتعدى 106 أبيات فقط .. فهل بين المخطوطات وفي صدور الرواة ما هو أكثر من هذا العدد من شعـر " حليق الذهب " ؟ سؤال نتمنى أن تكون إجابته ... نعم !!
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.