أمينة قطب
أمينة قطب شاعرة وأديبة مصرية معاصرة ولدت في ظل أسرة علم وأدب وجهاد وعاشت تجارب الجهاد والصبر والفقدان، وتجرعت الألم، وذاقت فجائع متتالية.. اعتقلت عندما اعتقل جميع آل قطب، وصبرت على السجن والأذى.. واستشهد أخوها العالم الرباني سيد قطب، ونال الشهادة بعض أقاربها، واستشهد زوجها المجاهد كمال السنانيري.. فصبرت واحتسبت، ووظفت الأدب (قصة وشعرا) في خدمة الدين والجهاد والمعاني النبيلة في الحياة.
رحلة مع حياة الشاعرة:
ولدت الأديبة أمينة قطب سنة 1909م في قرية (موشا) بمحافظة أسيوط في مصر، ونشأت في أسرة كريمة متدينة، وكان والدها الحاج قطب إبراهيم على حظ من الوعي والمعرفة والتنور، وكان متدينا ووجيها في بلده. وكانت أمها امرأة فاضلة ومتدينة، وكان القراء يرتلون القرآن في دارهم طوال شهر رمضان، وبعد وفاة والدها الحاج إبراهيم، غادرت أسرتها القرية إلى القاهرة واستقرت فيها. اتصفت أمينة بالعديد من الصفات الطيبة.. فهي امرأة فاضلة، داعية وأديبة وشاعرة، كانت مهتمة بالأدب، وخاصة في مجال كتابة القصة القصيرة، وقد نشرت عددا منها في المجلات الأدبية التي كانت تصدر في القاهرة، مثل مجلة الأديب، ومجلة الآداب، ومجلة العالم العربي، وذلك في سنوات 1947 إلى 1954م، وكتبت ست قصص ضمها كتاب (الأطياف الأربعة) الذي اشتركت في كتابته مع إخوتها الشهيد سيد ومحمد وحميدة..ولما تعرضت الحركة الإسلامية في مصر للابتلاء، واقتيد آل قطب إلى السجون والمعتقلات، اعتقلت أمينة كغيرها، وظلت رهن الاعتقال في السجن الحربي فترة من الزمن..، وتزوجت أمينة من المجاهد كمال السنانيري، وما لبثت أن فقدته شهيدا، كما فقدت أخاها من قبل الأديب المجاهد سيد قطب.
قصة زواجها من السنانيري:
إن قصة زواج أمينة من المجاهد السنانيري لتبعث على الإجلال والعجب معا، فقد تم الرباط بينهما حين كان السنانيري داخل السجن. تقول السيدة أمينة: كان هذا الرباط قمة التحدي للحاكم الفرد الطاغية الذي قرر أن يقضي على دعاة الإسلام بالقتل أو الإهلاك بقضاء الأعمار السجون.. لقد سجن المجاهد الشهيد كمال السنانيري في عام 1954م، وقدم إلى محاكمة صورية مع إخوانه لأنهم يقولون ربنا الله.. وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة (25عاما)، ثم يعاد إلى المعتقل.
بعد أن قضى خمس سنوات من المدة، وفى أثناء ذهابه إلى مستشفى سجن ليمان طرة للعلاج، التقى هناك بأخيه الشهيد سيد قطب، وطلب منه يد أخته (أمينة)، وعرض الشهيد الأمر على أخته.. أمر ذلك العريس الذي يقضي عقوبة المؤبد، وباق منها عشرون سنة، فما كان من الأخت ألا أن وافقت بلا تردد، وأخذت عنوان الأخ وزارته في السجن وتمت الرؤية ثم عقد الزواج. وقويت الرابطة بينها وبين من خطبها وراء الأسوار، وكانت زيارتها ورسائلها له تقوي من أزره وأزر إخوانه.
وعندما زارته ذات مرة في سجن قنا وكانت ترافقها شقيقته، حكت الشقيقة لأخيها ما تكبدتاه من عناء حتى وصلتا إليه منذ أن ركبتا القطار من القاهرة إلى قنا ثم إلى السجن.. فقال لها: (لقد طال الأمد وأنا مشفق عليكم من هذا العناء، ومثل ما قلت لك في بدء ارتباطنا قد أخرج غدا وقد أمضى العشرين سنة الباقية، وقد ينقضي الأجل وأنا هنا، فلك الآن مطلق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحا في أمر مستقبلك.. ولا أريد ولا أرتضي لنفسي أن أكون عقبة في طريق سعادتك، إنهم يفاوضوننا في تأييد الطاغية ثمنا للإفراج عنا، ولن ينالوا مني بإذن الله ما يريدون حتى ولو مزقوني إربا، فلك الخيار من الآن، واكتبي لي ما يستقر رأيك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير.
وأرادت أمينة أن تجيب خطيبها المجاهد إلا أن السجان أمرها بالانصراف، فقد انتهى وقت الزيارة، وعادت إلى البيت لتكتب له رسالة كانت قصيدة نظمتها له لتعلن فيها أنها اختارت طريق الجهاد.. طريق الجنة.. وقالت له دعني يا زوجي أشاركك هذا الطريق، وكان لهذه القصيدة أثر كبير في نفس المجاهد. وخرج السنانيري من السجن بعد أفرج عنه عام 1973م، وتم الزواج وعاشت أمينة معه أحلى سنوات العمر، وفى الرابع من سبتمبر سنة 1981م اختطف منها مرة أخرى ليودع في السجن، ويبقى فيه إلى أن يلقى الله شهيدا في السادس من تشرين الثاني من العام نفسه.. وهم يحاولون انتزاع ما يرضيهم من الطعن في الجماعات الإسلامية، وسلمت جثته إلى ذويه شريطة أن يوارى التراب دون فتح عزاء.. وأذاعت السلطات أنه انتحر!! ونشرت الصحف عن سبب استشهاده فعزت ذلك إلى إسراف سلطات التحقيق في تعذيبه.
شعرها:
كانت أمينة في مطلع شبابها شغوفة بقراءة الشعر وحفظه، حتى أنها كانت تترك ما عليها من واجب دراسي وتسهر إلى وقت متأخر من الليل لتحفظ قصيدة أعجبتها، وكان الجو من حولها يغذي ذلك الشغف بالشعر.. فكان شقيقها الكبير العائل والموجه شاعرا وكاتبا، وكان الشقيق الثاني شاعرا وكاتبا أيضا.
كتبت أمينة بعد قراءة جيدة للشعر عدة أبيات تعبر فيها عن عواطفها وأحاسيسها، لكن تلك الأبيات لم تكن شعرا، وبعد عدة محاولات لم تصل في نظم الشعر إلى شيء، واتجهت إلى كتابة القصة القصيرة، لكن قراءاتها للشعر بقيت مستمرة، ولم تتوقف خاصة وأن شقيقها الأكبر (سيد) قد شجعها على المضي قدما في هذا المجال، بل أنه كان ينقد لها ما تكتب ويبصرها بمسالك الدرب الذي رأى أنها قادرة على مواصلة السير فيه، ولم يتوقف توجيهه لها ولباقي إخوته حتى وهو بين جدران السجن شريطة أن تنحى كتابتهم المنحى الإيماني.
وأن يكون تصورهم وأحاسيسهم ومشاعرهم بعيدة كلها عن تصورات الجاهلية واتجاهاتها في التعبير في النثر والشعر، ومن ثم كانت مجموعة أقاصيصها الثانية (في الطريق) محاولة أولية لإيجاد قصة نظيفة تأخذ طابعا إنسانيا.
وفى تلك الأثناء كان قد تم الارتباط بينهما وبين المجاهد كمال السنانيري وهو داخل السجن، وكانت التجربة عميقة مثرية للأحاسيس والخيال والمشاعر، وكان لهذا الارتباط قمة التحدي للحاكم الفرد الذي قرر أن يقضي على دعاة الإسلام، وكانت كل زيارة تقوم بها أمينة للسجين المجاهد الصلب، تثري خيالها ومشاعرها بألوان الأحاسيس، فتضمنها قصة أو رسالة من رسائلها إليه، أو تضع الأقاصيص في مخابئها حتى يأذن الله بالخروج.
وكتبت أمينة مجموعتين قصصيتين هما(تيار الحياة) و(في الطريق)، ولم تتجه إلى كتابة الشعر إلا بعد أن ارتبطت بالمجاهد السنانيري وهو في السجن إثر إحدى الزيارات التي كانت قد تأثرت فيها من كلام زوجها لها بأن الخيار في اتخاذها موقفا تراه مناسبا وتتجه لمستقبلها لاحتمال أن يطول مكوثه في السجن، والذي آلمها لقصر مدة الزيارة، فبدأت بكتابة رسالة إليه تعتب فيها على ذلك الحديث، وذلك التفكير في أمر فك الارتباط فيما بينهما، وتقول: (وجدت كلماتي تخرج منظومة على غير تدبير مني).
وكانت قد قرأت عليه بعضا من شعرها فأعجب بها إعجابا شديدا، جعلها تعاود نظم الشعر.
ومن قصيدة لها بعنوان (في دجى الحارثات) تقول أمينة:
منذ كان اللقاء = منذ ذاك الزمان
لم يكن للفراق = في رؤانا مكان
قد قطعنا العهود = نبتغي المستعان
أن نكون الجنود = وحماة المكان
من شرور الفجور = أو عميل جبان
أما في قصيدتها (من المنفى) فقد كتبت لزوجها الحبيب:
شاقني صوتك الحبيب على الها = تف يدعو ألا يطول غيابي
شاقني أن تقول لي: طال شوقي = قد غدا البيت موحشا كاليباب
شاقني ذلك النداء حنونا = فلتعودي لعالم الأحباب
شاقني أن تقول: حبك بعدا = لا تعيدي بواعث الأسباب
أمينة شاعرة إسلامية من طراز الأول، تسأل الله دائما الثبات والمغفرة, وأن لا يطول عيشها في دنيا الفناء فتقول:
فاغفر الأمنيات يا رب عفوا = وأعني دوما ببرد العزاء
لا تدعني للحزن يطمس قلبي = لا تدعني أعيش دنيا الفناء
واجعل الحب للبقاء المرجى = في نعيم بعالم الأتقياء
برضاء أناله منك يا رب وأحيا = في فيضه بالسماء
ثم تصور أمينة ما كان بينها وبين زوجها الشهيد من مشاركة وجدانية في جميع شؤون حياتهما في ظل طاعة الله ورضاه سبحانه وتعالى فتقول:
وتراءت له ظلال ذكرى = من حياة كانت كظل ظليل
تتوالى فيه الدقائق ملأى = بالأحاديث عن غد مأمول
تطمئن فيه النفوس إلى الله = وتلقي بكل همّ ثقيل
شاركت صورة الحياة في = أحاديثنا وشتى الحلول
وفى قصيدة لها تناجي زوجها بعد أن استشهد فتقول:
أنا في العذاب هنا وأنت بعالم = فيه الجزاء بجنة الديان
مارست من أجل الوصول عبادة = فيها عجائب طاقة الإنسان
كانت جهادا في الطريق لدعوة = هي للأنام هدى وخير أمان
والقصيدة طويلة.. ولا يتسع المقام لذكرها كلها.
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.