سِر يا قَرِيضُ بعِطرِ الذِّكرِ مُنطَلِقَا
وامطِر أريجَكَ مِن سُحبِ الثَّنَا غَدَقَا
امضِ، ولا تنثَنِ خوفًا ولا خَجَلًا
فاليومَ لن تشتكي عَيَّا ولا رَهَقَا
أمطِر، فتِلكَ التي تَنْوِي الهُطُولَ لَهَا
ما شامَها الشَّعرُ إلَّا وانتَشَى عَبَقَا
تاجُ الكَمَالِ التي لن ألتَقِي امرَأةً
تعلُو على سَمتِها في ناظِري أُفُقَا
إِنْ تَقطَعِ الأرضَ كُلَّ العُمرِ مُرتَحِلًا
في البَرِ والبحرِ، فوقَ الغَيمِ مُلتَحِقَا
أو تَلتَمِسْ سُلَّماً نحوَ السَّمَا صَعُدًا
أو تَتَّخِذ سَالِكًا جوفَ الثَّرَى نَفَقَا
ما الظَّنُّ أنَّ على ظهرِ البَسِيطَةِ قد
تلقى الشَّبِيهَ لَهَا، مَن طابقَتْ نَسَقَا
أشبَاهُهَا الأربَعِينُ الكُمْلُ لا أحَدٌ
مِنهُنَّ تعدِلُهَا طُهرًا وعذبَ نَقَا
عادِيَّةٌ مِن عَوَامِ النَّاسِ تحسَبُها
حَتَّى تَجِدها شِهَابًا في السَّماءِ رَقَى
تُغضِي حَيَاءً، وتَأبى مِن تَواضُعِها
أنْ يعلمَ النَّاسُ فضلًا باسمِها التَصَقَا
تَخفَى عليهِمْ خَفَا الألطافِ هالَتُها
والدُّرُ يُعرَفُ مِن إشعَاعِهِ بَرِقَا
مِنَ العَطَاءِ بِلا مَنٍّ، تفِيضُ بِهِ
فُضلَى حَوَتْ كُلَّ عِلمٍ فَهمَهُ حَذِقَا
قد أُوتِيَتْ مِن بليغِ الكِلمِ ما امتلأتْ
بِهِ المعاجِمُ، مِن قامُوسِها اندَفَقَا
إنْ حَدَّثَتْ؛ فَأتَتْ باللَّفظِ سامِقَةً
عِقدًا مِنَ الدُّرِ واللألاءِ مُتَّسِقَا
أو أنشأتْ؛ أدهَشَتْ نثرًا وقافِيَةً
أو ألَّفَتْ؛ سَوَّدَتْ مِن عِلمِها الوَرَقَا
أو ناقَشَتْ؛ غَلَبَتْ بالرَّأيِ حُجَّتُها
أو أمعَنَتْ؛ أبدَتِ العِلَّاتِ والخَرَقَا
كأنَّها سِيبَوَيه العصرِ في لُغةٍ
تسمُو بِها الضَّادُ مِن تأصيلِها سَمَقَا
مِن كُلِّ مَنقَبَةٍ جاءتْ يَبُزُّ بِها
ثوبٌ عليها اعتلى، تزهُو بِهِ ألَقَا
أدنَاهُ حِلمُ فَؤادٍ رَقَّ خافِقُهُ
مِثلَ النَّسِيمِ عليلًا، شَفَّهَا خُلُقَا
أعلاهُ رُوحُ مَلَاكٍ شَعَّ جوهَرُهُ
كالفَجرِ مِن وَجهِهَا، مِن نُورِهِ اندَلَقَا
وَجهٌ جليلٌ على مِرآتِهِ انعَكَسَتْ
حُلْوُ الشَّمائِلِ عنها باطِنًا نَطَقَا
يزدَادُ إشراقُهُ بينَ الحِجَابِ كَمَا
بينَ السَّحَابِ أطَلَّ البدرُ وانبَثَقَا
سُبحانَ مَن زانَهُ بالحُسنِ، جاعِلُهُ
أُفقًا عليهِ يُرَى الإصباحُ مُنفَلِقَا
مِن الضِّياءِ كأنَّ اللهَ أوجَدَها
ساقَ المِثَالَ على حُورِ الجِنَانِ سُقَى
غُدوَاتُها تنشُرُ الأطيابَ عاطِرَةً
رَوحَاتُها تنثُرُ الرَّيحانَ والحَبَقَا
ما إنْ على الدَّربِ يمضي مِسكُ خُطوَتِها
إلَّا وعَطَّرَتِ الأرجاءَ والطُّرُقَا
خُذ أيَّ معنىً جَرَى فِيها تَجِدهُ سَحَا
غَيمٍ، تهِيضُ بِهِ مِن ثُقلِهِ وَدَقَا
قُلْ إنَّهُ الحقُّ، لا زيفًا، ولا جَدَلًا
لا يبتغي فِيهِ زُلفَىً مُنصِفٌ صَدَقَا
شعر: صالح عبده اسماعيل الآنسي
لا يوجد تعليقات.