وردة وأميل - إيليا أبو ماضي

يا ليتما خلق الزمان أميلا
إني أراه كالشّباب جميلا

ولّى، فودّعت السماء بهاءها
من بعده ،هوى النّهار عليلا

جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما
تبغي رقادا أو تريد مقيلا

وتناثرت قطع السحاب كأنها
الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا

هذا وقد بسط السكون جناحه
والليل أمسى ستره مسدولا

قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد
وكلّ جفن بالكرى مكحولا

إلا مهفهفة بها نزل الهوى
ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا

غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى
أني لأحسد ذلك الموصولا

تحكي المدامة رقة وقساوة
تحكي المهاة لواحظا وتليلا

ماء الحياء يجول في وجناتها
فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا

والخدّ أبهج ما يكون موردا
والطرف أفتن ما يكون كحيلا

نظرت وربّ منية من نظرة
قد كان عنها ربّها مشغولا

فهوت وربّ هوى تنال به تامنى
وهوى ينال به الحمام نبيلا

والحبّ مصدره العيون وربّما
تخذ السماع إلى القلوب سيلا

فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى
عينيك ، إنّ من العيون قتولا

ودّت وقد نال الذّبول خدودها
لو أن في الشّوق المقيم ذبولا

وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء
لم بجد عذل العاذلين فتيلا

سمعت دويا في الظّلام فهرولت
مذعورا بعد الوقوف طويلا

وأنين مختضر يقول قتلتني
ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا

تعدو وتجذبها روادفها إلى
خلف فتجهد خضرها المتبولا

فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما
وكأنّ في ذاك الإزار عذولا

تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا
ومن الأنين إلى الأنين دليلا

تبغي الوّقوف على حقيقة أمره
تبغي حليلا لا تراه جليلا

وتدير في تلك البنان مسدّسا
تركت قذائفه السهام فضولا

في طرفه كمن الهلاك فلو رنا
طرف الزّمان إليه عاد كليلا

قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه
فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا

يحمي الضعيف من القوي وربّما
قتل الجبان به الفتى البهلولا

ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل
قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا

حتى إذا رأيت المراد وما رأت
إلا خيالا واقفا مجهولا

حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت
أنّ الذي علقت به المقتولا

فدنت وأطلقت المسدّس نحو من
بصرت به عرضا فخرّ قتيلا

صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت
أسدا يخرّ له الهزير ذليلا

كالبدر حسنا ، كالغمام سماحة
كالغصن غضّا، كالحسام صقيلا

ثبت الجنان قويّة، عف الإزارنقيّه
ما خان قطّ خليلا

هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى
فيها، وأغضب كاشحا وعذولا

ما نال بعد جهاده إلا الرّدى
والبدر يكسيه المسير أفولا

لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها
من لم تر أبدا سواء جميلا

عرفت وذلك عندما طلع الضّحى
ورأت عيانا نعشه محمولا

لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه
إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا

يا صاحبي إن جزت في قبريهما
فاتل السّلام عليهما ترتيلا

من شاعر ما حرّك الغصن الهوا
إلا تذّكر وردة وإميلا

© 2024 - موقع الشعر