(لقد أثر فيَّ جداً فراق الدكتور فكري حجازي. عالمٌ تجاوزتْ كتبه الآفاق ، وسطع نجمه في الشرق والغرب! فلقد تُرجمت بعض إسهاماته وشروحاته في النحو العربية للمبتدئين للغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية ، الأمر الذي جعل (فكري حجازي) يُعرف ويُذاعُ سيطه في شرق الأرض وغربها! واليوم يتركنا ويُودعُ الحياة بعد مسيرة حافلة بالكفاح في تبيين وتبسيط قواعد النحو العربية ، تشهد كتبه وإسهاماته بذلك! ألا ما أصعب الفراق بدون وداع ، والوداع بدون فراق! ما أصعب أن تفارق روحاً كانت جزءًا منك ، دون أن تحزن ودون أن تتألم لذلك ، إنه حقيقة لا يوجد في الدنيا أصعب من فراق الأحبة. يرحلون عنا تاركين في القلب ندبات لا يزول أثرها ، ولا ينطفئ وجعها ، حتى وإن توالت الأيام ومرت السنون. فلو كانت للفراق صورة لراعت القلوب وهدت الجبال! ما أصعب حين تبحث عن مدامعك فلا تجدها! وتبحث عنها كي تُطفئ بها جذوة الاشتياق ولهيبُ الشوق والبين. وتبحث عنها لتخفف وطأة الألم وحدة الغضى ، لكنها تأبى النزول فتظل تحترق ، ويحترق قلبك بعدها إلى أن يُصبح رماداً. خيالهم يحيط بنا ، نستأنس بهم ونعيش على ذكراهم. والفراق حديثه الصمت ولسانه الدموع ، لا ندرى أنبكي عليهم أم نبكي على أنفسنا؟! تغيب شمس الأحبة وعند غروبها تصفر من ألم الفراق. فتتلاشى الملامح والأصوات! الفراق هو القاتل الصّامت ، والقاهر الميت ، والجرح الّذي لا يبرأمن المعلوم أن الفراق له وقع فاجع بين المحبين ، يعكس مشاعر الحزن ، ويكرس ألم الفراق هذا إذا كان الغائب حياً تُنتظر عودته فيتجدد نحوه الشوق بحسب طول غيابه ومسافة ابتعاده ، ويظل الأمل معلقاً عليه ، والرجاءُ مرتبطاً به في تعليل للنفس بالآمال المرتجاة لهذه العودة القريبة ، والصلة به موصولة على بُعده على أساس عودةٍ منتظرة ورجعة مؤملة كما هو واقعنا في هذه الدنيا. فكيف المقام إذا كان الفراق أبدياً لا يُنتظر له إياب ولا يُؤمل بعده عودة؟ وذلك كما هو واقع الحال في رحيل مَن ينتهي أجله ولا رجعة له من رحلته الأبدية إلى دنيا الناس. لاشك أن الفاجعة حينئذٍ ستكون فادحة ، والحزن أعم وأشمل. لانقطاع الأمل وتلاشي الرجاء في أوبة الراحل وعودة الغائب ، وهنا يتعمق الحزن فيهزّ كيان المحزون ، ولا يخفف لواعج الفراق ويهدّئ من توترات المحزون سوى الدموع التي يسفحها ، والرثاء الذي يخفّفها! لقد كان الدكتور فكري حجازي أستاذ العربية نحوها وصرفها للجميع ممن تلمذوا على يديه أو على أسفاره ومراجعه العلمية اللغوية الدقيقة! والحقيقة أنني لم يكن لي شرف التلمذة على يديه ، وكنتُ أتمنى ذلك ، ولكن لم يشأه الله تعالى لي! فقط تتلمذتُ على كتبه الطيبة المباركة كما تتلمذ غيري ، فألفيتُه سيبويه عصره ، وبأسلوب سهل ممتنع جامع مانع! فلقد جمع بين أصالة الماضي وعراقة الحاضر! فرثيته من قلبي بهذه القصيدة عرفاناً بفضله العظيم عليَّ وعلى غيري ممن تتلمذوا عليه مشافهة وكتباً ، فقلت على البحر المجتث!)
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.