يكفيني حُب الأولاد! - أحمد علي سليمان

خُلقُ العطا شمسٌ تُضيئ وتُشرقُ
وثمارُه – رغم الصوارف - تُورقُ

ولكَم عجبتُ مِن العطاء وأهله
عجباً تعاظمَ لا يكادُ يُصَدَّق

والجُودُ أجملُ إذ أتى مِن حُرَّةٍ
مِن حُرِّ ما ملكتْ تجودُ وتُنفق

ليستْ تخافُ الفقرَ في مستقبل
آتٍ يُهدِّدُه مُصابٌ مُحْدق

لم تدَّخِرْ للدَّهر وافرَ مالها
إنْ رابَها مِن دهرها ما يُوبِق

وعلى المحبة راهنتْ في مَعشر
شمسٌ محبتهم عليهم تُشرق

في قِصة ندرتْ ، وقلَّ حُدوثها
فيها المروءة غضة تترقرق

فيها تزوجتِ المُعِيلة أرملاً
ترعى العِيالَ الضائعين ، وتُشفِق

في أمِّهم فجعوا ، وهذي دورها
أمَّاً تكون ، بها الهنا يتحقق

والزوجُ أكرمَها ، وقدَّرَ جُهدها
فلقد غدا بحنانها يتعلق

مِن أجل ذلك خصَّها بعَطيةٍ
ومضى يُؤكدُ حقها ويُوَثق

حتى إذا رحل الحليلُ تأيَّمتْ
والمالُ نهرٌ عندها يتدفق

أبناؤها ورثوا الكثيرَ ، وأحسنوا
للأم ربَّتْهم ، وعاشتْ ترفق

لم يَحقدوا يوماً على ما نالها
بل ضاعفوه ، وبالوفاء تخلقوا

فتنازلتْ عن كل ما ملكتْ يدٌ
لتُعيدَ ما ملكتْ لكي لا يَحنقوا

قيل: ارجعي عن ذا القرار ، وأجمِلي
فلقد يُصيبُكِ ما يَضرُّ ويَمحق

قالت: كفاني حبُّ أولادي إذن
والحبُّ يُوجِدُ ما له نتشوق

إن صح هذا الحبُّ فاجأنا بما
نهفو إليه ، ونشتهيهِ ، ونعشق

الحب يَصنعُ معجزاتٍ جَمة
يوماً إليها الذهنُ لا يتطرق

بالحب نبلغ ما نريدُ تجمُّلاً
ويَزولُ ما يُؤذي الأنامَ ويُقلِق

مناسبة القصيدة

(كثيراً ما تستهويني القصص فأحول أحداثها إلى نص شعري. أو أتحدث عن الدروس المستفادة منها. ذهبت سيِّدة ضخمة وطويلة وعريضة المنكبين ، ووجهها ذميم ومخيف إلى مكتب محاماة ، فبدأ المحامون الرجال يتسلُّلون واحد تِلو الآخر إلى الخارج ، ولم يتبقَ سوى فتاة لٱستقبالها ، وكانت قلقة فمن شكلها وتتجنّب النظر إليها ، حتي بدأت حديثها فقالت: أنا سيِّدة كان الرجال ينفرون منِّي حتي وصلت لسن اﻷربعين ولم أتزوّج ، وفي يومٍ زارتني جارتي وعرضت عليَّ الزواج من مقاول أرمل ولديه أربعة أطفال بشرط أن أخدمهم وأن لاَّ يكون لي طلبات كزوجة ، فوافقت وتزوَّجت ، ومرَّت سنوات وأنا أرعي الأولاد كأنَّهم أبنائي ، وغمرتهم بحناني حتي أصبحت لهم أُمَّا يحبُّونها ويقدّرونها ، وحدث أن نجح زوجي وٱغتني أكثر ، والغريب أنَّه أحبَّني وبدأ يُعاملني كزوجةٍ ، وقد أتيت إليكم ﻷنَّ زوجي مات ، وكتب لي عقارات تُقدّر بالملايين ولم يعترض أولاده ، ولكنِّي أُريد أن أُعيد إليهم أملاكهم ، وأخرجت اﻷوراق والعقود الَّتي تُثبت صحّة كلامها. فصمتت السيِّدة وتجمّد الكلام على شفتي الفتاة الَّتي كانت تشمئز منها ، وعندما رأت سيِّدة ترفض هذه الملايين بجرَّة قلم ، فسألتها وهي تشعر بالخجل من نفسها بعد أن شعرت نحوها بُحبٍ غريب لمس قلبها: أليس أفضل لكِ أن تحتفظي ببيت تحسُّباً للزمن؟ فقالت: لا ، إنما يكفيني حُب الأولاد لي ، واللهُ الَّذي رزقني الحُب بعد الجفاف سوف يرزقني ويهبني معه كل شيء. وصدق المثل الإنجليزي: ليست كل امرأة جميلة طيبة ولكن كل امرأة طيبة جميلة. والله إنها لقصة جميلة ومعبرة. وكنت قد جعلت إجابة المرأة عنوان لقصيدتي: (يكفيني حب الأولاد) فهي إذن تُراهن على الحب ، وترفض امتلاك المال. ومثل هذا الشعــور نــادر جداً.)
© 2024 - موقع الشعر