ابن تيمية وخصومه! - أحمد علي سليمان

لحومُ أهل الهُدى بالسُّمِّ تحتفِلُ
والسُّمُّ ماحِقُ مَن لحومَهم أكلوا

وإرثهم بين أيدي الناس قاطبة
ولمْ تُبَدِّله أهوالٌ ولا غِيَل

ولم تَطله رَحَى التحريف في زمن
والدارُ تشهدُ ، والأجيالُ والأزل

كأنهم كتبوا بالأمس ما علِموا
واليوم ها هم إلى الخِتام قد وصلوا

لمَّا أرادوا انتصارَ الحق ما وَهنوا
وما استكانوا ، ولا بقومهم شُغِلوا

لكنهم نشطوا في نشر ما فقِهوا
وما استهانوا بما حازوه أو حصلوا

تَحَمَّلوا في سبيل العِلم كلَّ أذى
لأنهم عِبءَ ما هم كُلّفوا حَملوا

وما اشتكى جمعُهم ضِيقاً ولا عَوَزاً
لكنهم بازدهار الدعوة اشتغلوا

كم نقحوا العِلمَ والإيضاحَ صُبحَ مسا
وكم بإبلاغ ما هم نقحوا احتفلوا

كم جادلوا الخَصمَ بالبرهان يَسبقه
دعاءُ رب إلى تأييده ابتهلوا

كم جاهدوا بنصوص الوحي مَن كَفروا
وفندوا شُبَهَ الغالين مَن جهلوا

كم بيَّنوا سُبُلَ الهداية اعتجَمَتْ
على أناس عن التذكير كم غفلوا

وهل تَبِينُ سبيلٌ دون مُصطدم؟
كم بالتناظر تُجْلى للورى السُّبُل

كم لابن تيميةٍ قامتْ مُحاكمة
فيها يُحاكِمُه الدَّهاقِنُ الجُهُل

يُراوغون لهم فخرٌ بباطلهم
والشيخ في ذي الوغى المجاهد البطل

يَفضُّ مُزدحماً سادتْ به بدعٌ
والحق غالبُ مَن بالباطل اخبلوا

ما راعَه جَمعُهم ولا بطانتُهم
بل جَدَّ في الأمر ، والأراذل ابتُذلوا

والجدُّ يَنصُرُ مَن يَأوي لمَوئِله
والهزلُ يَهزمُ أقواماً إذا هزلوا

دَكَّ (ابنُ تيميةٍ) ما سِيقَ مِن حُجَج
وما لهم بالذي أدلى به قِبَل

أذاقهم بالتحَدِّي طعمَ غضبته
في الحق يربطه بربه أمل

وفندَ الزعمَ مُسْتلاً مُهنده
ما صَدَّ عَزمته لومٌ ولا عَذل

للحق يَثأرُ ، لا للنفس سربلها
كيدُ الخصوم الألى بالعِلية اتصلوا

تجرَّدَ الشَّيخ مِن مَجدٍ يُسامرُه
يُمليه قومٌ إلى أهوائهم وُكِلوا

لو استجابَ لهم شادوا بطاعته
والشيخ ما ردَّه عن حقه السَّفل

حَرَّانُ يوماً ستفنى والحياة بها
وما(ابنُ تيميةٍ) وسط الألى رحلوا

العِلمُ يُعطِي حياة للألى علِموا
كما يُميتُ العُتاة الجهل والضلل

والشيخ جاهدَ بالحُسام مَن غلبوا
على الديار ، فما رَقوا ، وما عدلوا

سَل التتارَ عن الجهاد قامَ به
شيخٌ جليلٌ رفيعُ القدر مُكْتهل

صَفَّ الصفوفَ ، وطبعاً كان أولها
ودائماً طالِبو الحُسنى همُ الأوَل

حتى إذا وضعتْ أوزارها فِتنٌ
ولم تعُدْ مِحَنٌ تُجدي ، ولا حِيَل

سل اليراعَ على مَن رَوَّجوا بدعاً
يا ليتهم في جِوا الهيجاء قد قتلوا

كي تستريحَ مِن الضُلال أدمغة
لها بترويج أسباب الهوى شُغل

لا ينفعُ السيف في إخراس ألسِنةٍ
يقودُها للسقوط الهزلُ والفشل

للسيف خَندمة تغتالُ مَن فتنوا
وإن أيام أرباب القنا دُوَل

وللكلام مجالٌ في مُناظرةٍ
يرى الخصومُ بها عُقبى الذي عملوا

ولابن تيمية في الاثنتين بَلا
وفي مواجهة الأعدا له ثِقل

ويح الخصومِ على أعقابهم نكصوا
وإنَّ منهجهم إنْ مُكِّنوا النكل

والغدرُ طابَعُهم ، والمكرُ شِيمتهم
وإن أغلبهم على الأذى جُبِلوا

وأصدروا الحُكمُ سجن الشيخ تشفية
وكم أضاء ظلامَ (القلعة) الرجل

وللمكائد أقوامٌ بهم صَلفٌ
ما في القلوب تُقى كلا ولا وَجَل

في (سِجن قلعته) الإمامُ فارقهم
وعند ربِّ الورى الجدالُ يكتمل

ويُرجعُ الحقَّ رَبُّ الناس خالقنا
مِن الألى حَكموا الدنيا فما عدلوا

ورحمة الله ربي دائماً أبداً
على (ابن تيميةٍ) ومَن له بذلوا

مناسبة القصيدة

(إنني أعتذر إليك يا ابن تيمية ، أنْ جاءت كتابتي عنك متأخرة. ألا إن الكتابة عن العظماء شرفٌ كبيرٌ للكاتب وللشاعر وللناقد. ابن تيمية ذلك العَلَم الجهبذ العبقري الذي حيَّرَ الناس في القديم والحديث فمن هو ابن تيمية؟ وما عصره؟ ولماذا كل هذه الضجَّة حوله قديماً وحديثاً ومستقبلاً؟ عالِمٌ له شخصيته وقوة تأثيره وحجته. وتبحره في علم المنقول والمعقول أصولاً وفروعاً في المسائل العلمية والعملية وجهاده بالسيف والحجة ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، فجهاده للتتار وأهل البدع والضلال معروف لا يخفى. وانفراده بمسائل علمية وعملية سببت له محناً وعداوات ومناظرات ، وسجن أكثر من مرة ومات في السجن - رحمه الله ورضي عنه – بسببها. العالِم الذي قال عنه المؤلف مرعي الحنبلي سامحه الله تعالى: "قد علمنا علم اليقين ، وتحققنا التحقيق المبين ، من الثقات الناقلين ، وأئمة الحديث الناقدين ، أن ابن تيمية الشيخ تقي الدين ، هو الإمام الحافظ الحجة ، العلم المجتهد الضابط المتقن ، المفسر أعجوبة الزمان ترجمان القرآن ، سيد المحققين ، وسند المدققين ، وشيخ الإسلام والمسلمين ، والمعراج الأعلى في المعارف ، والمنهاج الأسنى في الحقائق والعوارف ، بروج سماء معرفته كواكب العناية ، ومنشور رياض حضرة أعلام الولاية بحر ليس للبحر ما عنده للجواهر ، وحبر سما على السماء ، وأين للسماء مثل ما له من الزواهر ، انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية ، وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية ، تنوع في المباحث وفنونها ، وتضوع في الرياض غصونها ، وتفوه بفصاحة ، وبلاغة فصاحة قيس ، وبلاغة أوس من دونها ، وخاض من العلوم في بحار عميقة ، وراض النفس ففاق في سلوك الطريقة ، وهو فخر المتأخرين على الحقيقة". ومرة أخيرة أعتذر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أن تأخرت في الانتصار له من خصومه الألى أجرموا في حقه. ولكن كما يقول المثل: "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي"!)
© 2024 - موقع الشعر