إني أرى

إني أرى...
 
يَا طَالِبَ الودِّ إنَّ الوِدَّ يُكْتَسَبُ
وَليسَ يُوصَلُ مَنْ مِيثَاقُهُ الهَرَبُ
 
إنَّ المَحبَّةَ إيثَارٌ وَمَكْرُمَةٌ
لَا أَحْرُفٌ كُتِبَتْ تُلْقَى بِهَا الخُطَبُ
 
كَمْ مِنْ حبِيبٍ عَلَا بَعْدَ الوِصَالِ غَدَا
يَحُومُ حَوْلَ الأَسَى وَالقَوْمُ قَدْ عَجِبُوا
 
لَكِنَّهُ لَمْ يَرُمْ وَصْلًا فعاشَ سُدًى
يرَى الحيَاةَ كلامًا جُلُّهُ كَذِبُ
 
هَذِي الحَيَاةُ عَلَى قَوْلٍ تُفَرِّقُنَا
وَتجمعِ القَومَ إنْ يحضُرْ بِهَا سَبَبُ
 
نَأْوِي إلَيْهَا وَ لا نَدْرِي كَمِ انكَسَرَتْ
قُلُوبُ قوْمٍ مَحَتْ آثَارَهُمْ حِقَبُ
 
وَنحسَبُ الحُبَّ قَوْلًا فِي قَصَائِدِنَا
تَقُولُهُ دَائِمًا فِي جَمْعِهَا العَرَبُ
 
مَا ذَاكَ إلَّا كَلَامٌ بَاتَ مُحْتَرِقًا
وَصَارَ مَعزُوفَةً يحلُو بِهَا الطَّرَبُ
 
إنِّي أَرَى مُعْظَمَ الخِلَّانِ مَا افتَرَقُوا
إلَّا عَلَى تَافِهٍ، فِي ذَلِكَ العَجَبُ
 
أَرَى المَكَائِدَ وَالأَهْوالَ تُرْهِقُهُمْ
أخبَارُهُمْ بينَ كلِّ النَّاسِ تنْقَلِبُ
 
هَذَا يقولُ...وَ ذَا... بلْ ذِي وَ ذَاكَ وَ ذَا
وَ تِلْكَ تَرْمِي سِهَامًا كُلُّهَا لَهَبُ
 
رُحْمَاكَ رَبِّي فَقَدْ صَارَ الهَوَى أَلَمًا
وَصَارَ حَامِلُهُ نَارًا بِهَا حَطَبُ
 
يَظُنُّ كُلُّ خَلِيلٍ قَوْلَهُ أَدَبًا
وَ مَا أَقَاويلُهُ فِي خِلِّهِ أَدَبُ
 
فِي كُلِّ حَرْفٍ تَرَى الأمْوَاجَ هائِجَةً
كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي قَلْبِهِ غَضَبُ
 
يُغَازِلُ الكُلَّ لَمْ تَنجُ التِّي حَسُنَتْ
وَ لَا التَّي أنْفُهَا فِي طُولِهِ قَصَبُ
 
تَبًّا لِعَصْرٍ غَدَتْ أَقْوَالُهُ حِكَمًا
مِنْ فِي جَهُولٍ غَدَا بِالعِلْمِ يَنتَقِبُ
 
إنِّي أَرَى زُمَرًا تَحْيَا عَلَى أَمَلٍ
مَا نَالَ مِنْهَا أَذًى فِي العَيْشِ أَوْ تَعَبٌ
 
أُخْرَى بِلَا أَمَلٍ تحْيَا كَأنَّ بِهَا
أَحْزَانَ مَرْثِيَّةٍ تَبْكِي وَتنتَحِبُ
 
لَا شيءَ يُسْعِدُهَا إلَّا إذَا غَرِقَتْ
فِي الدَّمْعِ أُمَّتُهَا وَالأَرْضُ وَالكُتُبُ
 
لَكِنَّهَا إنْ بَدَا سَعْدٌ بِلا خَجَلٍ
صَاحَتْ لِيُرْعِبَهُ فِي بَيْتِهِ الصَّخَبُ
 
حَمّلْ همُومَك وارحَلْ صَامِتًا أبَدًا
مَا عادَ شِعرُكَ فِي الأرجاءِ ينتَصِبُ
 
هَذِي الدِّيَارُ بِهَا المَعْبُودُ مُطعِمُهَا
فَدينُهَا جَاهُهَا، الأَمْوالُ وَالذَّهَبُ
 
تَهْوَى مُدَّمِّرَهَا حَتَّى وَ لَوْ خَضَعَتْ
كُلُّ البِقَاعِ لَهُ أَوْ دُفِّنَتْ نُخَبُ
 
هَذَا الزَّمَانُ زَمَانُ الجَهْلِ سِرْ قُدُمًا
مَا عادَ فِي (هَا هُنَا) مَا يَحملُ اللَّقَبُ
 
فريد مرازقة