لو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدميه! (هرقل) - أحمد علي سليمان

هل - في كلام هِرَقلَ - شيء يَعجُمُ؟
أم أنه - بالقول هذا - أعلمُ؟

طرَقَ الحقيقة: رسْمَها ومَعينَها
ما كان يهذي قط ، أو يتوهم

وله - بتعريف النبي - بصيرة
وله بتحليل الكلام تفهّم

ويُعالجُ الأحداث ، لم يكُ هازلاً
وهِرَقلُ - في رصد الحقائق - ضيغم

عقلية في السلم والهيجا ربتْ
وقريحة أفعالها تتكلم

لكنما الشيطانُ مارسَ دَوْره
فأضلها ، ومضى يَؤزّ ويُجْرم

وعبيدُه - في الأرض - طوْعُ بنانه
وعلى امتداد الدرب خلقٌ جُثم

في كل قلب أفرغ الشيطان س
م سُعاره ، بئس الطريدُ الأظلم

ويُزخرف العِصيان ، هذا وعده
والوعد - مِن رب السماء - جهنم

وهِرَقلُ يدري مِن أحاديث السما
لكنما الكِبْر المَقيتُ مُخيّم

هذا الحديث - على الذكاء - قرينة
في كل حرف نظرة ، أو مَعْلم

ورواه غضاً يانعاً بتمامهِ -
مُترفعاً عن كل عيْب - (مُسلم)

وحكاهُ حبر المسلمين ، وتاجُهم
ذاك ابن عباسِ البهيّ المُكْرم

فهرقلُ يسأل ، والقطيع مُتابع
وأبو معاويةٍ يُجيب فيُفحَم

والترجمانُ - لكل حرفٍ - مُنصتٌ
في التو يلتقط الصدى ، ويُترجم

فهْو الأمينُ على الكلام وصُنعه
في الرأس علمٌ ، والأناملِ مِرقم

يا ترجمانَ القوم: دونك ما ترى
وعلى رؤوس القوم أنت القيّم

فتحرّ ما تلقي على الأسماع من
زبَد الكلام ، فإن هذا المَغنم

أنت الذي ترجمت ، ما خنت الأما
نة ، إن تضييعَ الأمانة يَحْرُم

لم ترتزقْ بالترجمات تلوكُها
لوْكَ الأجير ، ولم يُذلك درهم

وأراك ما ترجمت أصناف الخنا
وعلى الغواية لم تكن تترنم

وهرقلُ يسمع ما تُترجم خاشعاً
والقومُ - في قعر التوجس - نوّم

فلكل حرفٍ - في الحوار - حقيقة
ولكل إمعان رؤىً ، أو طلسم

يستقرئ الغيب الذي نطقتْ به
رهبانهم: ظهرَ النبيُ القيم

وزوالُ مُلك الروم أوشك حينُه
وهرقلُ - في يوم اللقاء - سيُهزم

والفرْسُ يذهب في الدنا سُلطانهم
للكفر يومٌ - في المَعامع - أيْوم

والصينُ بعدُ ، فمستباحٌ مُلكها
ويدور - في أرض الهنود - المأزم

وسيُهزم الإغريق شرّ هزيمة
وشرابُهم يوم الكريهة عَلقم

ويَزول بأسُ الشرك في دنيا الورى
ومُحمدٌ - بالعدل فيهم - يَحكم

وكتابُه القرآن شرعته الهُدى
وعقيدة التوحيد دينٌ قيّم

ولسوف ينتشر السلامُ ، فلا ترى
حرباً تدور يَضيع فيها الأيّم

ولسوف ينتشر التكافلُ في الدنا
ويسود عدلٌ - في الدنا - وترحّم

ولسوف يغمرنا الوئامُ ، فلا ترى
عبداً يجوعُ وسيداً يتنعم

فالكل ممتثلٌ هداية ربه
واللهُ - فوق العرش - ربٌ مُنعم

وهداية الإسلام نورٌ ساطعٌ
لا شيء - في هذي العقيدة - مُبهم

والأرضُ تغمرُها المحبة كلها
ويقودُ عامرَها الكتابُ المُحكم

والعبدُ يُصبح - بالحنيفة - سيداً
ويزول سيده الكفورُ الغيشم

وتسود أخلاقٌ بعيدٌ وصفها
قيمٌ ستعلو - في الورى - وتُكرَّم

ويُدك صرحُ الدعر دون هوادةٍ
والعُريُ - رغم أنوفنا - يتحشم

والعنصرية سوف يُدحَر ظلها
ما بالنا بالأصل ذاك المُعتم؟

وشريعة الغابات تلك ستنتهي
ومَن ابتغى - في الناس - ظلماً يندم

ومبادئ الغوغاء تلك إلى الفنا
وسيَغمر القومَ النظامُ الأحزم

ودعاية التثليث يمحوها الهُدى
فمليكنا المعبودُ فردٌ مُنعم

وجحافلُ الرهبان يُمحى جمعُهم
ولسوف يُمحق ما ارتأوْه ويُهزم

وكتائبُ الطاغوت يمحقها الردى
وإمامها التوحيد نهجٌ يَعصم

واللهُ يشهد أنني أرشدتكم
وأبنتُ ، درب النور يا قوم افهموا

أنا لا أقول بأن هذي رؤيتي
أو بالخيال - على المَلا - ارتجز الفم

أو أدَّعي علم الكهانة والعَرا
فة والتسحّر ، إن نطقيَ أجزم

أن لا أخرّفُ ، إنني متعقلٌ
أزن الكلامَ ، يعي حديثي الأبكم

هذا الذي نطقتْ به الرهبان والأ
حْبار قبلي في الورى ، فلتعلموا

عارٌ عليّ الزيفُ ، لستُ أخافكم
وفداءُ ما قد قلتُ نفسي والدم

لو كنتُ عند محمدٍ ورجاله
وعشيره ، ذاك العشيرُ الأعظم

لغسلتُ عن قدميه شائبة الأذى
وتبعته ، ولكُنت نعم المسلم

ولكنت - بين يديه - رهْن إشارةٍ
ولئن دعاني ، جئته أتبسم

وعظ (الهرقل) عبيده وبلاطه
وعظاً أريباً مُخبتاً يتنغم

لكنما المَلأ الشقيَ رمى الهُدى
وغدا - على ما قاله - يتهكم

ويقولُ: يذهبُ مُلككم يا سيدي
وتضيع دولتكم ، ويعلو الديلم

ولسوف يُقلب عاجلاً ظهر المج
ن ، وعرشكم يسطو عليه الغيْلم

ويزولُ بأسك والسموُ من الدنا
والقصر يمضي ، والمكانة تُهدم

والمالُ يفنى ، والسيادة تنتهي
والعز يرحل ، ثم لا تتقدم

ولقد يسوسُ العبدُ - منك - جحافلاً
وتُذل فيهم ، ثم لا تتهينم

وهمُ الأعاربُ ، ثم (أحمدُ) منهمُ
وتكون - بين القوم - وحدك أعجم

أمِن التعقل تركُ شرعة مَن مضوا؟
أبصرْ طريقك أنت فينا الهيثم

أعقيدة التثليث تُترَك هكذا؟
أوَهكذا – لمحمد - تستسلم؟

فإذا هرقلٌ يستجيبُ لقولهم
وتراه - مما قد رأى - يتبرم

ضحك القطيع على (العظيم) أضله
جيشٌ لحرب هُدى المليك عرمرم

وأبالس أكل الضلال عقولهم
فلهم - بحرب مَن ارتآه - تجهم

أعداءُ أنفسهم ، وأعداءُ الهُدى
ولهم سيوفٌ - في اللقاء - تجرم

طاقاتُهم بالشر ما بخلوا بها
وهمُ همُ - في الخير - بُهْمٌ خوّم

واليومَ يملأ دارنا أشباهُهم
وهمُ - على قلبي - همومٌ تجْثم

ويُضللون الخلق عمداً ، إذ لهم
حيلٌ تُدندنُ بالهُدى ، وتُنغم

إن ارتزاق المرء بالتقوى عمى
أيُضل خلق الله مَن يتمسلم؟

ناهيك عن أشباههم أهل الخنا
فهمُ الغواة العاشقون الهُيم

للهم سَلم مِن ضلال بعدما
أنقذتنا ، بالناس أنت الأرحم

واختم لنا ربي بخاتمةِ السعا
دة ، إننا - بشكوكنا - لا نسلم

© 2024 - موقع الشعر