قصيدة عطر الوردة فى مجاراة البردة - محمد عمر عثمان

قصيدة عطر الوردة
فى مجاراة البردة ..

أَمِن غرام بقَلبِى رَاسخِ القَدَمِ
سَهِرتُ حين أضاء البدر للأمم

أم لاحَ فى خَاطرِى طَيفٌ لكاظمةٍ
وحَاجرٍ والنَّقا والبَانِ والعَلمِ

وجالَ فى فكرتى وصفٌ لذِى سَلَمٍ
و رَوضَةٍ ذاتِ حُسنٍ زاهِرٍ فَخِمِ

فَمَا لِدَمعِ حَنِينِى سَالَ مُنحَدِرَاً
لَمَّا سَرَت نَفَحَاتُ الأَشهُرِ الحُرُمِ

و ذكَّرتنى برُؤيا لَستُ أُغفِلُهَا
فِيها وصَالٌ مِنَ المحبوب ذِى الكرمِ

و لم أُذِع سِرَّهَا إذ كُنتُ أكتُمُهُ
عَنِ الوُشاةِ و لا أبديه فى الكلم

نَعَم غَرَامِى لِمَن أَهوَاهُ أَرَّقَنِى
والحُبُّ أَلزَمَنِى بِالسُّهدِ فِى العَتَمِ

و طَابَ فِى لَيلَتِى شَوقٌ رَجَوتُ بِهِ
بِشَارَةً لِى مِنَ المَحبُوبِ فِى الحُلُمِ

لَكِنَّنِى ذُو ذُنُوبٍ حِينَ أَفعَلُهَا
لَا أَستَحِى مِن وَقَارِ الشَّيبِ والهَرَمِ

و لِى عُيُوبٌ لسانى ليسَ يُذكرُهَا
و الصَّمتُ أَبلَغُ أَحيَانَاً مِنَ الكَلِمِ

وفِى شَبَابِى أضعت الوقت مستمعا
إِلَى أَحَادِيثِ أَهلِ اللَّغوِ فى الأكمِ

ولَم أُجَاهِد هَوَى نَفسِى فَمَا رَجَعَت
عَن مَيلِها لِطَرِيقِ الطَّيشِ والوَهَمِ

وَ كَم ألفتُ التباهى مِن جَهَالَتِهَا
ومَا شكرتُ عَلَى الآلاءِ والنِّعَم

وَكَم صَحِبتُ الأَمَانِى من حماقتها
و مَا صبرتُ عَلَى البلواءِ و السَّقَمِ

وكَم فعلتُ المعَاصى مِن غوايتهَا
فِى خَلوَةٍ عَن عُيُونِ النَّاسِ كُلِّهِمِ

و رَغْمَ ذلك مَا فَرَّطتُ فِى ذِمَمِى
و فِى فُؤَادِى غَرامٌ غَيرُ مُنصَرِمِ

أقسمتُ أَن غرامى فى الحياة لهُ
شواهد لست أخفيها عن النسم

يبُوحُ دَمعِى بِأَسرَارِ الغَرَامِ كَمَا
يَبُوحُ شِعرِى بِسِرِّ الحُبِّ فِى الكَلِمِ

و يَلُوحُ فِى نَظرَتِى مِن غَيرِ تَورِيَةٍ
أَنَّ الغَرامَ بقلبى رَاسِخُ القَدَمِ

و كَيفَ أخفى غَرامٌا لَستُ أَكتُمُهُ
عَنِ الوُشَاةِ مِنِ الأَقوَامِ و الأُمَمِ

يَا لائِمى فِى الهَوَى لَو كُنتَ تَعرِفُهُ
لِصِرتَ صَبَّاً لِخَيرِ الخَلقِ كُلِّهِمِ

فَاترُك مَلَامَكَ وَاخشَى مِن عَوَاقِبِهِ
فَذَاكَ لَومٌ بِهِ تَمضِى إِلَى النَّدَمِ

و اسمَع مَدِيحِى لِطَهَ إِنَّهُ عَلَمٌ
فَاقَ الوَرَى فِى كَمَالِ القَدرِ والشِّيَمِ

تزايد الفرح فى الأكوان قاطبة
فِى يَومِ مِيلَادِ خَيرِ الخَلقِ كُلِّهِمِ

وكم جَرت من أمور قبل مَولدهِ
دَلَّت عَلَى أَنَّهُ فِى القَدرِ ذُو عِظَمِ

أتى نسيم الصَّفَا و الخَيرُ يَصحَبُهُ
وغَرَّدَ الطيرُ فى الأَجواءِ بالنَّغَمِ

وانشق إيوانُ كِسرَى رَمزُ دَولتهِ
و نَارَهُ دخلت فِى حَيِّزِ العَدَمِ

وأَصبَحَ الزُّورُ فِى الأَنحَاءِ مُنهَزِمَاً
أمَامَ صِدقٍ بَدَا فِى القَولِ والكَلِمِ

و سَارَتِ الجِنُّ فِى الوِديَانِ قَائِلَةً
بُشرَى لَكُم يَاذَوِى الأَفهَامِ بالنِّعَمِ

و أَقبَلَت رَيحُ خَيرٍ تَحمِلُ الأَرَجَ
وتَنشُرُ العِطرَ فِى أَرجَاءِ مُلتَزَمِ

و كَانَ مِيلَادُ خَيرِ الخَلقِ قُدوَتِنَا
ظُهُورَ نُورٍ أَتَى لِلعُربِ و العَجَمِ

طَابَت إِلَى طَيبَةٍ فِى الصَّيفِ هِجرَتُهُ
و طَابَ سَعيٌ لَهُ فِى السهل والأكم

و لَاحَ نُصحٌ لَهُ دلَّت إِفَادَتُهُ
عَلَى سبيلِ الهُدَى والخَيرِ والنِّعَمِ

و مَا ثَنَائِى عَلَى المُختَارِ يُنصِفُهُ
و لَيسَ يُنصِفُهُ مدح مِنَ النَّسَمِ

مُحمَّدٌ رَحمَةُ البَارى ونِعمتُهُ
وخيرُ داعٍ إلى التوحيدِ والقِيَمِ

مُحمَّدٌ كَامِلٌ طابت مَكارمُهُ
و جَاءَنا مَدحهُ فى سُورَة القلَمِ

مُحمَّدٌ سيد جَلَّت مراتبهُ
وكانَ يأمُرُنا بالوصَلِ للرحَمِ

مُحمَّدٌ صَادقٌ تمَّت منازلهُ
وكانَ يُوصينا بالحفظِ للذِمَمِ

مُحمَّدٌ ناصحٌ وفَّت مقالتهُ
وكَان يُرشِدنا بالوعَظِ والحِكَمِ

مُحَمَّدٌ ذَاكِرٌ طَابَت تِلَاوَتُهُ
للذِّكرِ ذِى الوعظِ والتِّبيَانِ والحِكَمِ

مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ عَمَّت مَحَبَّتُهُ
جميعَ أحبابهِ من خيرةِ الأُمَمِ

مُحَمَّدٌ مُحسِنٌ فَازَت بِرُؤيَتِهِ
قَلُوب أَهلِ التُّقَى والعَزِم والهِمَمِ

مُحَمَّد ٌ طيب طَابَت مَجالسٍهُ
طوبى لأصحابه الموفين بالذمم

فَاقَ النَّبِيِّينَ فِى قدر وفى قيم
وفَاقَهُم فِى جَمَالِ الوجه والكلم

وكُلُّهُم لَأَبِى الزَّهرَاءِ مُعتَرِفٌ
بَأَنَّهُ خَيرُ مُختَارٍ مِنَ النَّسَمِ

والمُعجِزَاتُ لِخَيرِ الخَلقِ قَد ظَهَرَت
كَصُبحِ يَومٍ بَدَا لِلعُربِ و العَجَمِ

البَدرُ شُقَّ لِطَهَ خِاتِمِ الرُّسُلِ
والجِذعُ حَنَّ لَهُ فى بلدةِ النِّعَمِ

وكَانَ مِعرَاجُهُ فِى لَيلَهٍ عَظُمَت
وسَارَ مِن حَرَمٍ فِيهَا إِلَى حَرَمِ

وقَتَادَةٌ عَينُهُ رُدَّت لِمُوضِعِهَا
بِسِرِّ كِفِّ الرَسَولِ الطَّيِّبِ العَلَمِ

و أَقبَلَت نَحوَهُ الأَشجَارُ طَائِعَةً
و الصَّخرُ كَلَّمَهُ فى الأشهر الحرم

وكَم شَفَت مَرَضَاً فِى الكُونِ دَعوَتُهُ
و حَرَّرَت مُهْجَةً مِن رِبقَةِ الغُمَمِ

وَلَيتَنِى كُنتُ مِن أَوفَى صَحَابَتِهِ
وصرتُ لجنابهِ من جُملةِ الخدَمِ

و حَارَبتُ أَعدَائَهُ فِى ظِلِّ رَايَتِهِ
ومدحت عِترَتَهُ فِى رَبعِ ذِى سَلَمِ

و صَافَحتُهُ بِيَمِينِى عِندَ مَسجِدِهِ
وصَارَ فِى مُهجَتِى شُكرٌ عَلَى النِّعَمِ

و لَعَلِّنِى بمَدِيحٍ طَيِّبٍ عَطِرٍ
للمُصطَفَى طَاهِرِ الأَخلاقِ والشيِمَ

قَد صِرتُ ذا نِسبَةٍ إِلَيهِ زَاهِيَة
أنجو بهَا فى غَدٍ مِن زلةِ القَدمِ

ومَن تكُن لَأَبِى الزَّهرَاءِ نِسبَتُهُ
يَسِيرُ فِى اللَّيلِ لَايَخشَى مِنَ العَتَمِ

و الأَمنُ يَحرُسُهُ والمِسكُ يَنفَحُهُ
واليُسرُ يَصحَبُهُ فِى السَّهلِ والأَكَمِ

إِنِّى رَعَيتُ عَلَى دَرب الهَوَى ذِمَمِى
وصيانةُ العهدِ والميثاقِ مِن شيَمَى

وطَابَ مَدحِى لِخَيرِ الخَلقِ قُدوَتِنَا
زِينِ البَرَايَا مُضِيئِ الوَجهِ ذِى الهِمَمِ

وفى عَالمِ الذَّرِ إنى إِلتقيت به
لِقَاءُ وُدٍّ بِلَا نُطقٍ و لَا كَلِمِ

وَ نَظرَةٌ مِنهُ أَبدَت لِى مَوَافَقَةً
عَلَى مَدِيحِى لَهُ فِى عَالَمِ النَّسَمِ

وصِرتُ فِى العَالَمِ الأَرضِىِّ مُبتَهِجَاً
لَمَّا ذَكَرتُ لِقَاءَ الذَّرِّ ذا القِدَمِ

و بات فِى مُهجَتِى شوقٌ يُحَرِّكُنِى
إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى المُختَارِ ذِى الحِكَمِ

و صَارَ فِى بَاطِنِى زَهوٌ بِتَسمِيَتِى
مُحَمَّدَاً يَاذَوِى الأَبصَارِ والهِمَمِ

ياسَيدى يارَسُول الله خُذ بيدى
بشفاعةٍ عِندَ ذى الإِنعَام و الكَرَمِ

يَعفُو بِهَا عَن ذُنُوبِى عَفوَ مُقتَدِرٍ
ويَقى بِهَا مُهجَتَى مِن كافة الغمم

وجُد لِقَلبِى بِوَصلٍ مِنكَ يَا سَنَدِى
يَطِيبُ نَومِى بِهِ فِى ظُلمَةِ العَتَمِ

مَولاى صلِّ وسلِّم دائِماً أبداً
عَلىَ الحبيبِ وأهلِّ الحُبِّ كُلِّهِمِ

وانشُر أَرِيجَاً مِنَ المِسكِ الزَّكِىِّ عَلَى
أرجاء ذِى سَلَمٍ والرَّوضِ والحَرَمِ

خادم شعراء المديح محمد عمر عثمان
أحدث تعديل فى ٣٠/ ١ / ٢٠٢٥ م

© 2025 - موقع الشعر