الضريح العاطر - حامد حسن معروف

كذبتْ ظنونُك فالحدیثُ محقَّقُ
ولكم وددتُ بأنَّه لا يصدقُ
 
فَقْدُ ابن "ميهوبَ" العظيم بنكبةٍ
كُبرى لها قلبُ البسيطةِ يخفُقُ
 
قد كنتُ أطمعُ باللِّقاءِ فلم أنلْ
ما أرتجيه وفاتني ما أعشقُ
 
قد حالَ دونَ المُرتجى قدرٌ ومنْ
كادتْ لهُ الأقدارُ كيفَ يُوفَّقُ؟
 
قدرٌ له خطّ المصيرُ وإنَّما
لولا التُّقى قلت : الغشوم الأخرق العينالتُّقى
 
العينُ لم تركَ الحياةَ وإنَّما
قلبي لما وعتُ المسامعُ شَيِّقُ
 
فاستقبل الفردوسَ موفورَ الجنى
مترفِّعاً عما يُسيءُ ويُقلقُ
 
ومواكبُ الأملاكِ حولكَ جُثَّمٌ
منْ كلَّ ناحيةٍ تحيطُ وتُحدقُ
 
وحفيفُ أجنحةِ الملائكِ نغمةٌ
عُلويَّةٌ بجلال مجدكَ تنطقُ
 
ورکابُ "بنت محمَّدٍ" يُزجي له الرُّ
وحُ الأمينُ إلى لقائك شيِّقُ
 
"طهَ" یکبِّرُ و "الوصيُّ" مهلِّلُ
والعرشُ يرقصُ والأمينُ يصفِّقُ
 
فإذا أتيت "محمَّداً" و "بَتولَهُ"
حيث المهابةُ والسَّنا والرَّونَقُ
 
هل تحملنَّ إلى "الوصي" شكيَّةٌ
داميَّةً منها الملائِكُ تغرقُ؟
 
زخَّارةٌ بعواطفي جیاشةٌ
منها على الملأِ المخلَّدِ أشفِقُ
 
العرشُ ما ذُكرتْ يميدُ وإنَّما
منها سماواتُ العلی تتشقَّقُ
 
قلْ: إنَّ شعبك يا "عليُّ المرتضَى"
شلوٌ بأنيابِ الخلافِ ممَّزقُ
 
مُتكاسلٌ مُتخاذلٌ مُتواكلٌ
مُتحاسدٌ مُتعاندٌ مُتَفرِّقُ
 
لعبت به الأهواءُ حتَّى لم تدعْ
باباً يُرجَّى للصَّلاحِ فيطرقُ
 
زعماؤُه متخاذلونَ جميعُهمْ
وعُرى القطيعةِ بينهم تتوثَّقُ
 
من كلِّ ذي حسدٍ تخالُ إذا رنا
حذراً تمقلتهِ ترجرجُ زئبقُ
 
مُتَلوِّنٌ ذو خدعةٍ مُتَعجرفٌ
مُتفرِّدٌ في رأيهِ مُتَشدِّقُ
 
مُتورطٌ بالإثمِ مرتكبُ الهوى
ناهٍ عن الحُسنى عمٍ يتملَّقُ
 
السَّائمُ الذُّلَّ الضِّعافَ ولا يرى
جرحاً بما يأتي الغرورُ الأحمقُ
 
فاقذفْ نجومك يا سماءُ صواعقاً
يصمی بها أمثالُ ذاك ويُصْعقُ
 
وامطرْهمْ زيتاً وكبريتاً فما
أحرى بخدَّاعِ الورى أن يُحرقوا
 
والسُّوقةُ العمياءُ خيَّمَ فوقها
جهلٌ أمرُّ من العماية مُطْبقُ
 
والدِّين مُنْتهكُ المحارمِ لم تجدْ
إلَّا القليل بهدبهِ يتعلَّقُ
 
ماذا أينجحُ مُصْلِحٌ في أمَّةٍ
إنْ قامَ يجمعُ والدَّخيلُ يفرِّقُ
 
أدواؤنا استعصتْ على حُكَامائِنا
فكأنَّها السِّرُّ الدَّقيقُ المُفْلِقُ
 
واحسرتي امْتُهنَ الكرام لُخلْفِهمْ
هلّا بطيْبِ الاتِّحادِ تخلَّقوا
 
وهووا إلى دَرَكِ الحضيضِ وطالما
طاروا بآفاق الفخارِ وحلَّقوا
 
و ابسط شجون ملوَّع متألِّمٍ
بحماسةٍ وبلاغةٍ تتدفَّقُ
 
للهِ رزؤُك فالأنامُ جميعُها
قلبٌ يذوبُ وناظرٌ مُغرورقُ
 
يصدی بحاشيةِ الأثيرِ وصوتُه
"متمصرٌ" "متبغددٌ" "مُتَدَمَشِقُ"
 
للهِ ماضيكَ المجيدُ فإنَّ
ذكرى يغصُّ بها الحسودُ ويَشرَق
 
لك من خلالِ الحمدِ أشرفُها ومنْ
حُلَلِ الكمال أتمُّها والأليقُ
 
فلذاكَ تصِّر فيكَ مدحي
أنَّ البيانَ عن اتِّساعِكَ ضَيِّقُ
 
أنا منْ سمعت به ولم تره فتیً
ناءٍ رثاك وقلبُهُ مُحرورقُ
 
ومراحل ما بيننا ومهامه
يعي الدَّليل بها وتشكو الأنيقُ
 
هذا الجنوبُ إذا تنفَّسَ شَمألٌ
أجواؤُه بنفيس طيبكَ تعبقُ
 
والمُلهمون الشِّعرَ منهم حاذقٌ
لَبقٌ بصنعته ومنهمْ أحذقُ
 
تبكي المجالسُ والمنابرُ كلَّما
ذكرتْ بفقدك سابقاً لا يُسبَقُ
 
خرساءُ تحلمُ كالقبور لأنَّها
رُزِئتْ وأظلمَ نورها المتألِّقُ
 
ما جُلت في حلباتِ سَبقٍ للعلی
إلَّا رجعت وفي يمينك بَيرَقُ
 
الشَّامتونَ وفي رُبوعكَ منهمُ
رَهْطٌ يُزخرِفُ قولهُ و يُزوِّقُ
 
بعيونِه عمشٌ ومعرفةُ الحَصى
وبسمعه وقْرٌ وفيه الشَّبْرَقُ
 
الغربُ يعلمُ ما لآلِ أبيكَ منْ
مجدٍ يعزُّ منالُه والمشرِقُ
 
رسخت قواعدُ مجدكمْ ويزلُّ عنْ
شرفاتِه نظرُ الزَّمان ويزلَقُ
 
و بِمسْمع الأيام صوتُك هادِرٌ
وبصفحة التَّاريخِ ذكرُك مُشرِقُ
 
وعزاءُ نفسي بعد فَقْدِكَ مأملي
أني بركبك عن قريبٍ ألحقُ
© 2024 - موقع الشعر