صلبوك مظلوما - حامد حسن معروف

الذَّاهبانِ ؛ غداةَ أمسِ الذَّاهبِ :
ركبُ العليِّ وهانئاتُ رغائبي
 
یا نادبَ "ابنِ محمَّدٍ" لو أنَّ لي
ما أشتهي لوددتُ أنَّكَ نادبي
 
شرَّدتَ عن جفنيَّ هانئةَ الكرى
وجَفا الوثيرَ من المضاجعِ جانبي
 
لو تَجمعُ الدُّنيا متاعبَ أهلها
ما كنَّ إلَّا دونَ بعضِ متاعبي
 
أنا يا "عليُّ" وأنتَ بين أظافر ٍ
وحشيَّةٍ تنتاشُنا ومخالبِ
 
أبحرتَ تقتنصُ السَّعادة والغِنى
وعلى ضفافهما تحطَّمَ قاربي
 
فإذا سفحتُ على ضريحِكَ مُهجتي
أسَفاً فهذا منْ أقلِّ الواجبِ
 
صلبوكَ مظلوماً وكانَ ولمْ يزلْ
ألمُ الصَّليبِ عقوبةً للصَّالبِ
 
المُرجفونَ الكاشحونَ وكيف لا
يتوقَّعونَ غدَ العذابِ الواجبِ ؟
 
هانتْ نفوسُهمُ وكمْ من عانسٍ
بذلتْ عواطفَها لأوَّلِ طالبِ
 
كَذبوا وكمْ من لعنةٍ لا ترتضي
سكَناً لها إلَّا جبينَ الكاذبِ
 
أبتِ العُلى والكبرياءُ عليكَ أنُ
ترميهُمُ حتّى بنظرةِ عاتبِ
 
يُغضي الكريمُ عن القذى مُتجاوزاً
عن ذئبِ شاتمِ عرضِهِ والعائبِ
 
ما كنتَ بالوَكِلِ التَّبيعِ ولمْ تكُنْ
ظلاً ولا كرةً بكفَّي لاعبِ
 
رجعَ الكميُّ من الغلاب مكلَّلاً
بالغارِ، إنَّ الغارَ تاجُ الغالبِ !!
 
هلْ تذكرنَّ غداةَ جاءَكَ عائداً
فزرعتَ في عينيهِ نظرةَ غاضبِ ؟
 
أطفأتَ في شفتيهِ بسمةَ أملٍ
وملأتَ جانحيتهِ حسرةَ خائبِ
 
لا يطهُرُ الدَّنِسُ البغيُّ ولو مشی
في النَّاسِ متَّشِحاً ثيابَ الرَّاهبِ
 
لكَ في الذِّيادِ عن الحقيقة موقفٌ
معْ كلِّ ممتهنِ الجبايةِ ناهبِ
 
آمنتَ بالصَّحْبِ الكرام وآلهِ
وكفرتَ بالغالي بهم والنَّاصبِي
 
باهلتَ بعضهم فلم يتشبَّهوا
بالرَّاهبينِ : "معقِّبٍ" و "العاقبِ"
 
عاشُوا مع التَّاريخ بین عقائدٍ
وعقائدٍ ومذاهبٍ ومذاهبِ
 
هذا الدُّجا ما ذنبُه إن مزَّقت
أشواكُه في اللَّيلِ كفَّ الحاطبِ ؟!
 
بُعداً لهمْ كم فيهمُ من سائق ٍ
جَمَلَ الهوى أو قائدٍ أو راكبِ
 
حاورتُهمْ عبثاً ولمَّا أنْ أبَوا
ألقيتُ حبلَ القومِ فوقَ الغاربِ
 
هذي قصيدتُك الأخيرةُ في يدي
مَلَكَ الحنينُ بها عليَّ مذاهبي
 
نَديتْ وعطَّرها اللَّهيبُ لأنَّها
طَيْفُ الخطيبةِ في خيالِ الخاطبِ
 
ألصقتُها بأضالعي قرَّبتُها
من خافقي خبّأتُها عن صاحبي
 
و لخيفتي من عابثٍ أودعتُها
بين الجفونِ وتحتَ ظلِّ الحاجبِ
 
طلعَ الصَّباحُ على القصورِ وما لنا
من نورهِ غير الخفيتِ الشَّاحبِ
 
فيها السُّلافُ البابليُّ و " معبدٌ "
وغناجُ مائجةِ الرَّوادفِ کاعبِ
 
ولهمْ بها شتَّى الكنوزِ وما لنا
في کلِّ مُلْكِ اللَّه غيرَ الرَّاتبِ
 
بسطَ الجناحَ على النُّجومِ محلِّقاً
وهوى كمنقضِّ الشِّهابِ الثَّاقبِ
 
خبرَ الحياةَ مسالماً ومحارباً
شتَّانَ بين مسالمٍ ومحاربِ
 
یا زاهداً بالنُّعيماتِ ولم نجدْ
في النَّاسِ كلِّ النَّاسِ غيرَ الرَّاغبِ
 
خذهْ رثاءً من نزيفِ أضالعي
أصفى وأطهرُ من دموعِ التَّائبِ
 
لهفٌ تفجِّرُهُ حشاشةُ شاعر ٍ
لهباً لتغرقَ فيه ريشةُ كاتبِ
 
دلَّلتُ أشعاري لأنّكَ شاعري
وصحبتُ آلامي لأنَّكَ صاحبي
 
ولقدْ أقيمُ عليكَ كلَّ صبيحةٍ
وبكلِّ أمسيةٍ صلاةَ الغائبِ
 
آمنتُ أنَّ بني أبي لم يهدأوا
يوماً وفي الجولانِ ظلُّ الغاصبِ
 
لو نازلوا قدَراً لأدبرَ هارباً
والموتُ خيرٌ من نجاةِ الهاربِ
 
عصبوا الشُّموسَ على لهيبِ جراحهمْ
بوركتَ يا ألقَ الضُّحى من عاصبِ
 
صلبوكَ مظلوماً و كانَ ولم يزلْ
ألمُ الصَّليبِ عقوبةً للصَّالبِ

مناسبة القصيدة

في أربعين علي محمد حسن بعريني ١٩٨٦
© 2024 - موقع الشعر