التوبة المزعومة - أحمد علي سليمان

هل صادم المظلومُ عزمَ المُثرب؟
أم أن دعوى التوب كذبة خِنزب؟

يا أيها المحبوس في سجن الهوى
إني اشتكيتك للمهيمن يا غبي

فلم التمحكُ والتجني والأسى؟
ولم ادعاء التوب من فم مُحْرب؟

أتخال رب الناس يخدعه الورى؟
يا للدعي المستريب المُثرب

وتقول: إني في طريقكَ صخرة
تئد الإخا ، وتسُد باب المَقرَب؟

وتقول: إني قد بدأت عداءكم؟
أنت العداءُ ، تعيش خلف الغيهب

إن النفاق على جبينك رسمُه
ويسيل من شفتيك مكرُ الثعلب

وكأن قلبك فيه أنكدُ شقوة
وأرى ابتسامك مثل لسع العقرب

يا ليت شعري من صنيع منافق
يبدي لأهل الخير وجه اللبلب

ويظل يتلو الآي في المحراب ، لا
تلقاه غير مرتل مستعذب

ويصبّ دمع العين عبر ريائه
وكأنه للآي لم يتنكب

وهو الغريب عن البكاء وأهله
أتراه في التمثيل لم يتقلب؟

وهو الطريد من التأئر بالبكا
سمتُ الموحد غيرُ سمتِ المطرب

أو ليتَ شعري كيف يزعم حزبه
أن انتصار الدين في الوجد الغبي؟

لا ينصر الإسلام بعد الله غيرُ موحد
بنِدا الجهاد مهلل ومرحب

هو ليس يعبأ بالحطام ، ولا الدنا
قد عاش في الدنيا كما المتغرب

لعن النفاق ، فكم له من عاشق
دنس السريرة ، في الضلالة مِدأب

إن النفاق لنبتة ملعونة
ظهرت على الدنيا بأخبث أثوُب

يا ليت شعري كيف لا نخشى النفا
ق ، وقومه فينا كمثل الأذؤب؟

أو ليت شعري كيف في أحشائنا
سُم النفاق يسير سير الديدب؟

حتماً يُمحص كل صف مؤمن
من كل نذل خائن متذأب

يا أيها الذبان ، فارق دربنا
قم فانأ عن صفٍ قوي مُرعب

لا تفترض في نفسك الأخلاق ، أن
ت مجردٌ من كل خُلْق طيِّب

أتذود عن دين الطواغي جهرة؟
وتند عن إفلاسك المتعصب؟

وأراكَ تزعم أنني بصلابتي
حاربتُ توبتكم لنيل المأرب

ما مأربي في مجرم متطاول
نصر الطواغيَ بالنفاق الأجرب؟

أنا لم أحارب توبة ، يا مدَّع
لكنما شرط يُرى في المذهب

ردُّ المظالم بعد إقلاع وعز
مٌ صادقٌ وندامة وتأوُّب

ارجع إلى (المُغنيِّ) ، طالع شرطه
تجد الدليل مُنوّراً كالكوكب

وارجع إلى (سبل السلام) ، فإنه
زادُ الموحد في اليباب الصيحب

وارجع إلى النووي في شرح الصحي
ح تر الحقيقة عبر نصح مُسهب

هي سُنة المختار ، حكمة ربنا
بعد الكتاب ، ذخيرة المتأدب

وارجع إلى الفاروق في أخلاقه
إن كنت (سُنياً) بها فتأدب

لما أحسَّ بذنبه في جنب قا
عدة ، توجَّد بالدموع النحَّب

ومضى إليها باكياً متأوهاً
يرجو السماح بعزمةٍ وترهب

قالت: أبيعك ما جنيت وتستري
ح من البكاء ، ومن نحيب المُذنب

وتبسّم الفاروق أنْ بدراهم
يُرضي العجوز ، ومَن يخفْ يتقرب

نادى على أركان دولته ، ولم
يترك سبيلاً للعَدا المتشعب

قال: اشهدوا أني بديناري اشتري
تُ الظلم من تلك العجوز العَوزب

يا شاهدَيَّ تعاليا لشهادةٍ
كيف اعتديتُ؟ وكيف لم أتجنب؟

اكتب أيا من أحضروك ، ولا تخن
إن الخيانة شِيمة المتقلب

وتقدم الفاروق للقرطاس ير
فعه إلى فمه كسيرَ المنكب

ويقول: يا ولدِي عليك بوضعه
في جوف أكفاني ، وهذا مَرغبي

إن شئت عطر حرفه بمنيتي
أو شئت طيِّبه بطيب الزرنب

للهم ، فا قبل توبة عمرية
بوركتَ من شهم رقيق طيب

إن كنت تزعم يا عميل الدرب أن
ك مسلمٌ ، وأراك لمَّا تنسَب

أو كنت تتبع الصحابة والهُدى
والتابعين ، وقبلُ تتبع النبي

فاصنع كما صنع الخليفة ، وانتهج
نهج المثوبة والهداية تكسَب

لا تدَّع التوب الذي لم تنوه
إن ادعاء التوب سمتُ الغَطرب

لعبتْ أصابعكم بنار نفاقكم
مَن رام جنة ربه لم يلعب

والله يقبل توبكم ، إن شئت تب
ت إلى الذي أبوابُه لم تحجب

لكنْ بشرط التوب ، لا بدجى الهوى
مما وضعتَ بكأسنا فلتشرب

إني أراك طمعت في تشتيتنا
طمعاً تضائل عند شهوة أشعب

وبذلت جهدك واستعنت بمن طغى
وطعنت طعن الفاجر المتغلب

إني بشوك نفاقكم متسربلٌ
وأجُرّ في قدمَيَّ قيح التورب

عالجتُ جُبن القوم ، لكنْ لم أجد
في مثل جُبنك يا شبيه الأرنب

وجهرتُ بالحق الذي أودِعْته
وزأرتُ في الميدان مثل الأشهب

وصدمتُ قُطعان النعائم جهرة
في صخرة التوحيد ، لم أتهيب

أعلمتهم أن الشعائر وحدها
لا تثبت الإسلام ، حتى للصبي

وأدلتي في كل سَمع قلتها
وكذاك قد سجلتها للغيَّب

زادت على العشرين زبدة رؤيةٍ
سلفيةٍ ، قيلتْ بأرض الجُندَب

شتان بين الناس تفهم ما يُقا
لُ ، وترعوى طوعاً وبين الأكلب

إن التيوس إذا رميت الدُّر بي
ن شياهها نفرتْ ، ولمَّا تطرب

وكذا الحمير إذا هتفت ألا اعقلوا
فرّتْ ، وآلمها فراقُ المَسرب

أستغفر الله العظيم مِن الخطا
فالتيسُ خلقُ الله لمَّا يُذنب

والكلب صَنعة ربنا ، ويسبح ال
مولى ، فلم يكفرْ ، ولم يتصلب

بل كائن مستسلمٌ لله ، لم
يُزج النفاق منمقاً كالزَّغدِب

قلتُ: الحقيقة ، لم أنافق برهة
وحصدتُ سحر (السامري) بمحطبي

وذبحتُ عجل (السامري) ، ولم أخن
ووقفتُ في التيار ، لمَّا أندب

وهمستُ في آذانهم: أن أسلموا
فتنكروا ، ونصحتُ من قد ضاق بي

فصرخت أن لا تعبدوا الكرسيَّ يا
أقوامنا ، هو من سراب مُجدب

أما العميل فعندهم صنع الدعا
ية ، من نسيج خائن متذبذب

هو متقن فن النفاق ، ولم نكن
ندري النفاق وأهله والأجنبي

حتى إذا كشفتْ حقيقة خائن
ونزعتُ ثوب نفاقك المتذهب

وهو الصفيح ، ولا يساوي درهماً
وهتكتُ سترَ المستطيل القطرُب

وفضحتُ باطل مجرم متنسكٍ
وأبنتُ درب مخادع متنكب

ها أنت توهم عابديك بتوبةٍ
هي أزمة مرتْ ، ولم تترسب

قدموا إليَّ ، وأبلغوني عزمكم
في التوب ، تزعم أنك الحُر الأبي

أبلغتهم شرطي ، ولم أكُ حاذراً
أترى إلى الطود العظيم الأثلب

أنا بعضه ، أنا كله ، ما اهتز ف
يَّ الشعرُ ، حتى إنني لم أغضب

لمّا اعترفتَ قبالتي في مجلس
لمّا أدافع عنك أو أتأرب

فيم الدفاع ، وأنت خائنُ جمعنا؟
قبحْتَ من نذل عُرفتَ وتولب

كُف ادعاء التوب ، واحقن فتنة
وأعدَّ نفسكَ للقيامة ، وادأب

إن القيامة لن تجامل مجرماً
ولأمر ربك ، فاصطبر وتأهب

هوِّن عليك ، ولا تخف مني العَدا
فأنا حِيالك كالغمام الصيب

لا أشتكيك إلى الطواغي فاسترح
إني سألت الله كل المطلب

إن التحاكم للطواغي ردة
مَن كان في درب الهُدى فليغلب

كفكفْ شماتة عازل متلون
لونُ الشماتة كاختلاط الأعقب

أتظنني صدّقتُ دعوى الت
وب منك حقيقة قد خاب ظنك يا غبي

من أجل ذلك قلت في بائيتي
(هل صادم المظلوم عزم المِثرَب؟)

ما صادم المظلوم عزمة تائب
بل إن دعوى التوب كذبة خِنزب

أتريد مني العطر فواح الشذى؟
إن الشذى يا صاح عند الهُيدب

أنتَ الذي كسّرتَ جُؤنات العط
ور بمقمع ، كالمُتقن المُتدرب

أتريد مني الماء عذباً سائغاً
من بعد أن دنسْتَ جوف المذنب؟

قد كنتَ في تلويثه سبباً يُرى
أحقرْ بأتعس خائن متسبب

هل بعد ردم البئر يصفو ماؤه؟
أيروم إنسان به من مَشرب؟

هل بعد أن علت الوعول بغابةٍ
يبقى مكان لائق بالأرقب؟

إن النفوس إذا تناكر حبها
مثل الزجاجة: كسرها لم يشعب

فاعلم أيا هذا الدعي طويتي
إذ - بعد هذا التو - لمّا أكتب

أنا قد رفعتُ عقيرتي عنكم لي
وم قيامةٍ ، فيها مذلة أنكب

والله يعلم نيتي وسريرتي
إني نصحتُ ، ولم أكن بالهيب

© 2024 - موقع الشعر