ميت لا قبر له - العربي التبسي - أحمد علي سليمان

مات جسماً ، والصِّيتُ للتخليدِ
لم تمُتْ ذِكرى الفارس الصِّندِيدِ

في رُبا (النموشية) الخيرُ وافى
في مكان خصب الثرى كالصعيد

و(النماميشُ) فاخروا بهُمام
مستنير يحيا على التوحيد

إيهِ يا (تِبسِيُّ) نِلت أسمى فخار
وابتنيت مَجداً رفيعَ البنود

كم وعظت الآنامَ في كل صُقع
مُقنعاً مَن غالى برأي سَديد

كم دَحضت التضليلَ دون اكتِراثٍ
رغم كيدٍ يفوقُ كيدَ اليهود

كم أبنت النصوصَ خيرَ بيان
ثم وافى البيانُ بالمقصود

فانبرى عُبَّادُ القبور لِليثٍ
باذلين أعتى الفِرى في الجُحود

لم يُطِيقوا حقاً يَروحُ ويغدو
طالبين تقييدَه بالقيود

و(ابنُ باديس) أدلى بنصح ورأي
قال: (سِيقٌ) فيها خِيارُ الجنود

فابق فيها ، وسوف تلقى كِراماً
لن تكون في أهلها بالوحيد

فالتقى (الشيخ) في الديار فِئاماً
أيدوه بالعزم قبل النقود

ثم أمضى في (تِبسةٍ) بعضَ عُمْر
ناشراً مِن إرشاده المَحمود

و(الفرنسيسُ) عارضوا ، واستماتوا
في التحَدِّي خافوا مِن التهديد

حاولوا إثناءَ المجاهد دَهراً
فاستمات في صَدِّهم بالصمود

فإذا بالخطف الجبان سبيلٌ
للخلاص مِن شَيبةٍ مَجهود

ثم جاء (لاقياردُ) ينشرُ ذعراً
بجنودٍ مِن تِلكُمُ الأرض سُود

عذبوا (الشيخ) ، لم يُراعوا مَشيباً
أو سِقاماً ، سُحقاً لتلك العبيد

ثم جاؤوا بالقِدر ، والزيتُ يَغلي
والقلوبُ تغلي بحِقدٍ شديد

ساوموهُ ، و(الشيخ) لم يألُ جهداً
كيف يرضى ذو العنفوان العنيد؟

ثم ألقوا ب (الشيخ) في الزيت غدراً
ثم أمسى ل (لشيخ) وصفُ الشهيد

ربنا ارحمْه رحمة لا تُبارى
مَن سندعو لذاك غيرُ المجيد؟

مناسبة القصيدة

(العالِم المسلم الذي أُذيب في الزيت المغلي والذي لا قبر له. إنه الشيخ العربي التبسي فخر المسلمين وشعب الجزائر الذي تحمل الكثير من العذاب في سبيل الله تعالى. وهو أحد أعمدة الإصلاح في الجزائر وأمين عام جمعية العلماء ‏المسلمين الجزائريين ، تخرج من جامعة الزيتونة بتونس سنة 1914م ، ثم رحل إلى القاهرة عام 1920م ، ودرس العلوم الشرعية في الجامع الأزهر. ثم عاد إلى الجزائر عام1927 م ، ليبدأ نشاطه الدعوي ، وعند اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاستعمار عام 1954 م كان يدعمها ، ‏وكان يتواصل معهم ويحثهم على الثبات. وقد حاول الكثير من أصدقائه إقناعه بالخروج من الجزائر بعد أن أصبح هدفاً ضخماً وواضحاً للفرنسيين ، فكان جوابه دائماً: إذا كنا سنخرج كلنا خوفاً من الموت ، فمن يبقى مع الشعب. وعندما علم المستعمرون أنه يتمتع بشعبية كبيرة أرسلوا إليه عن طريق إدارتهم في الجزائر عدة مبعوثين للتفاوض معه ‏، وبعد رفضه المستمر للتفاوض باسم الأمة ، رأى المستعمرون أنه من الضروري التخلص منه ، فتم خطفه وتكفل بتعذيببه فرقة السنغاليون في الجيش الفرنسي. ‏والشيخ بين أيديهم صامد صابر محتسب لا يتكلم إلى أن نفد صبر قائدهم. وبعد عدة أيام من التعذيب جاء يوم الشهادة حيث أُعِد للشيخ قِدرٌ كبيرٌ مليءٌ بزيت السيارات والشاحنات والأسفلت الأسود ، وأوقدت النيران من تحتها إلى درجة الغليان. والجنود السنغاليون يقومون بتعذيبه دون رحمة وهو صابر محتسب. ثم طلب منهم القائد أن يحملوا الشيخ ، فحمله أربعة من الجنود وأوثقوا يديه ورجليه ، ثم رفعوه فوق القِدر المتأجج ، وطلبوا منه الاعتراف وتهدئة الثوار ، والشيخ يردد بهدوء كلمة الشهادة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".‏ ثم وضعوا قدميه في القِدر المتأججة ، فأغمي عليه على الفور ، ثم أُنزل شيئاً فشيئاً إلى أن دخل بكامله ، فاحترق وتبخر وتلاشى.)
© 2024 - موقع الشعر