الشقيقتان - أحمد علي سليمان

لولا الإخاءُ لزدتُ في استهزائي
ولذِعتُ أسراراً بدون حياءِ

لولا محبة والدَيَّ لقلتُها:
بنتاكما أسوا من الأبناء

لولا احتمال التوب يُدرك من غوى
لوصفتُ ما يجري من الأرزاء

لولا مخافة أن أصير مُلاعناً
لقبيلتي البدوية العصماء

لولا التحفظ في مخاطبة الورى
وحُثالة الأنذال والحُقراء

لولا التلطف شِرعتي أمرتْ به
في شأن قربى المرء والغرباء

لولا احتياطي أن أكون مغالطاً
لجهرتُ - بين الناس - باستهزائي

وأنا ظلِمتُ ، وذاك يكفي وحده
للجهر – رغم الأنف – بالأسواء

لمّا يكنْ سُوءاً يمرّ ويُتقى
فالنفس كم تلقى من البأساء

والقلبُ كم يلقى الأذية صابراً
متغافلاً ، يرنو إلى العلياء

والروحُ تزدردُ العذابَ رَضية
وتلوك ما يبقى على استحياء

لمّا يكن ما جئتماه بهين
يُرديه لومُ العاتب المستاء

لكنه البأساء صُب سعيرُها
وأحيط بالإهلاك والضراء

وأعانني المولى عليه ، وصانني
من أن تُمس عقيدتي وإبائي

أوَلم نكن أبناء بيتٍ واحدٍ
ما فيه من حقدٍ ولا شحناء؟

آمالنا - بين الجميع - توحّدتْ
ونرى كمالاً عيشة الصلحاء

وعلى الكفاف توجهتْ أحلامنا
عيش الكفاف تطلعُ العقلاء

وطموحُنا أن لا يفارق بعضنا
بعضاً ، ففي التفريق شر شقاء

أوَلم نعان الفقرَ يقطعُ سيفه
أعناقنا من شدة البلواء؟

أوَلم تجُع يا مُفترون بطوننا
كبطون أهل الحاجة الفقراء؟

أوَلم تدمْ أسقامُنا ، فتذكروا
إذ لم تجد – يا ناس – أي دواء؟

وأراد رب العالمين نجاتكم
والفضل فضل الله ذي النعماء

واختار من أبنائكم عبداً له
ليُقيل عثرتكم بدون عناء

وحماه في سفر وفي حضر ، وفي
نجْع اغتراب حُفَّ بالأعداء

فأتى ، ومكّنه الإله ، وخصه
بين الألى كادوا له بعطاء

لم ينصرم شهرٌ عليه بطوله
حتى حباكم ماله بسخاء

لمّا يُسدد دَينه مُستأذناً
من دائن هو أخبث السفهاء

إذ لم يزل في شأنه متحكماً
وكأنه أمسى من الأمراء

وتحمّل الشهمُ التحكم مؤثراً
عدمَ الصِدام يقوده لتنائي

ما قال: نفسي والوحيدة زوجتي
بل قال: أهلي كلهم ندمائي

وأبي وأمي قبل أي قرابةٍ
فالخيرُ للأمَّات والآباء

ولإخوتي من بعدهم فضلُ العطا
حتى يعيش الكل في استغناء

لا يطلبون الناسَ فضلة زادهم
دَينٌ عليّ لهم ، وذاك وفائي

لم يدّخر وُسعاً لكي تتنعموا
دوماً بأكرم حالةٍ وثواء

هو خصّكم بالمَكرُمات جميعها
حتى تعيشوا عيشة السعداء

ما كان أسهل أن يعيش لنفسه
مُتعالياً في غِلظةٍ وجفاء

وأتى ببعض عيالكم عوناً له
وأجاب عاجل أمْركم ونِداء

وهناك قسّم داره ونقوده
متفضلاً بتوددٍ وإخاء

وبكفه صنع السريرَ تكلفاً
وبرغم ضِيق الجهد والآناء

لا (مترَ) لا (شنيورَ) لا (منشارَ) أو
(إزميلَ) ، أو حتى بُعيض غراء

حتى خيوط الفجر أجْهِدَ صانعٌ
وأصيب - بعد الصنع - بالإعياء

صلى صلاة الفجر في محرابه
متدثراً بالكدِّ والإغماء

حتى أتم صلاته وخِتامها
ومضى لنوم بعد طول بلاء

وأتت إلى الدار الخذولة زوجُه
لتعيش دَور الحية الرقطاء

ولتحرق الدارَ الحصينة نارُها
ويصاب حيٌ عامرٌ بفناء

أنا ما اعتديتُ لكي ألاقيَ غدرَكم
يا شرَّ أهل فوق ذي الغبراء

وجزاء إحساني استحال عداوة
والغدرُ أصبح والنكال جزائي

ولقيت حق مروءتي وشهامتي
كيداً تدثر - في الدجى - بخفاء

والأرض قد غصِبتْ ، ودُلسَ عَقدُها
ودفاعُنا المصدوقُ مَحضُ هُراء

ما ذنب هذي الأرض تُغصبُ عنوة
ليُقام - فوق الأرض - شر بناء؟

والغاصب المحتال يضحك سافراً
إذ بات ذا بحبوحةٍ وثراء

وشقيقه سرقَ المراجعَ عامداً
بتحايل ، وتلصص ، ودهاء

وشقيقتاه شريكتا عدوانه
في الدس ، والإدناء ، والإقصاء

فأخ يُقرَّب رغم ظلم شقيقه
وأخ يُجندَلُ في قِلىً وجفاء

كلتاهما تطغى ، وتُمعن في العَدا
أفلا يُطاق العيشُ دون عداء؟

إني أسائل أين حقي يا غثا؟
أنتم ورب الناس شر غثاء

مهما كذبتم ، وادعيتم خلتي
ما - لادعاء البُله - أيُّ بقاء

أعطيتُ - بالأمس القريب - مُقايضاً
حتى يُرَدَ إليّ بعضُ عطائي

لم أعطِ ما أعطيته مُستغنياً
أنى لمثلي جُودُ الاستغناء؟

والله وسّع يا غثا أرزاقكم
لمَ شُحّكم يا أتعس البخلاء؟

كانت يدي الطولى ، فلم أكُ باخلاً
متحدثاً بعطاء ذي النعماء

غجرٌ ، وليس لكم كبيرٌ يُحتفى
بكلامه ، وله كبيرُ ولاء

أيسركم حالي وضيق معيشتي
وتعسرٌ بُليتْ به أبنائي؟

هذا لأني في الورى ضيَّعتهم
لما اتجهتُ لقوميَ الجُبناء

حتى علا بُنيانكم في ذي الدنا
ماذا تُفيد لجوقةٍ وُضعاء؟

ما عُذركم ألا تقيلوا عثرتي
كي لا تثيروا وازع البغضاء؟

وشقيقتاي اليوم أرذل شامتٍ
عن سخطةٍ ، وتعنتٍ ، وغباء

أخطأتُ إذ بيتُّ حُسن طويتي
وشرعتُ في مدحي وكيْل ثنائي

لأخيتين إخاءُ كلٍ خنجرٌ
في القلب يسبحُ في زكيِّ دماء

فإلى المهيمن منهما أنا أشتكي
وأزيد في مرثيتي ودعائي

بيني وبينهما سيقضي ربنا
وقضاء رب الناس خيرُ قضاء

رباه أنت الحق ، فاحكمْ بيننا
في هذه الدُنيا ويومَ جزاء

© 2024 - موقع الشعر