فيمَ العَزاءُ وما قضى (مِهيارُ)؟
والشاهدُ المُتكبرُ الغفارُ
أوَلمْ يقلْ: إن الشهيد مُنعمٌ
بحياته ، ويزفه الأخيار؟
مستبشراً بالفضل مِن رب الورى
وبنعمةٍ يحظى - بها - الأبرار
في جنةٍ طابت لأصحاب التقى
فليحتفلْ - بنعيمها - العُمّار
عند المليك يعُمّهم بعطائه
نعم الجزا نالوا ونعم جوار
في جنةٍ - فيها - الخيور جزيلة
تجري – وربي – تحتها الأنهار
في جنة الرحمن أجملُ مَنزل
نعمَ الثواب لهم ونعم الدار
فيها الذي لمّا ترى عينٌ ، ولا
سمعتْ به أذنٌ ، فنعم فخار
فيها الذي – واللهِ – لم يخطر على
قلب امرئ ، وبذا أتتْ أخبار
وهناك في الفردوس (أحمدُ) والمَلا
من أنبياءَ ، وحولهم أطهار
والصالحون ومَن بنهجهمُ اقتدى
وهمُ - لدين إلههم - أنصار
والقومُ كانوا في الإله استُشهدوا
لم تثنهم عن نصره الأعذار
والناسُ صديقين عاشوا عمرهم
لمّا تَشُبْ أيامَه الأوزار
مهيارُ نحسِبُه شهيداً عند مَن
وهبَ الحياة الواحدُ القهار
لمّا أتى الخبرُ الحزين أهالنا
قلنا: قضاءُ الله والأقدار
ما شاء ربك أن يكون فكائنٌ
حَتماً ، فليس مِن القضاء فرار
هي مِيتة خط المهيمنُ وصفها
ولقد تزيغ - عن الردى - الأبصار
هي مِيتة تأتي الحياة بُعيدها
فيها عقولُ العالمين تحار
كم ذا نشيّع - للمقابر - ميّتا
مِن بعده يتفرقُ الحُضّار
وخِلاله تطوى ، ويفنى ذكرُه
في مأتمٍ أصحابُه الزوار
إذ إنه لمّا يعشْ لفضيلةٍ
أنى يكون لمثل ذاك وقار؟
أعلمت يا جيلَ الرقاد مُرادنا
مِن فكرةٍ ذِيعتْ بها الأسرار؟
لمّا تكنْ لغزاً ليصعبَ فهمها
ولكَمْ - بسمعك - غردتْ أشعار
لا لن أعزيَ في الشهيد ، فلا تقل
هي غفلة ، ودواؤُها الإنذار
إن العَزا يا صاحبي فيمن قضى
فأقم دليلاً أنْ قضى مهيار
وأنا أقمتُ - على الحياة - أدلة
وهناك - في قرآننا - الآثار
طفيا تُعزي فيه خيرَ شبابها
والدمعُ - فوق ربوعِها - مِدرار
وتؤبنُ البطلَ الشهيدَ ، وتتقي
مِن أن تقول: اغتاله الغدار
هي لا تُصدِّق ما يقولُ عِداته
إذ إنّ رأسَ طغاتِهم فشار
هو ليس يَصدُقُ إن تحدث لحظة
وعلى - تقاة دياره - كَرّار
وله جلاوذة تُنفذ أمرَه
وكأنهم هتافة أغرار
قتلوا الشهيدَ ، ولم يُراعُوا حُرمة
ولهم - على تقتيلهم - إصرار
والمسرحية أتقنتْ حلقاتها
وعلى الضحية أحكمتْ أدوار
مهيار لست ضحية مَرخوصة
وعلى الطغاة الكأسُ سوف تُدار
لأبيك إنك طيبٌ مِن طيبٌ
أما لأصل الأم فالنجّار
وإلى أبيك أزفّ عذبَ تحِيتي
ووصية هي - في الدجى - أنوار
يوماً سيشفعُ - للأقارب - شِبلكم
وعلى الشفاعة تُسْدلُ الأستار
سبعون قد عضلتْ بهم آثامهم
وجبتْ لهم – يوم الحساب - النار
ماذا تؤمّل بعد هذا مِن عَطا؟
هيا احتسبْ يا أيها الصبار
إن كان يوماً سوف ينقذ غيره
ماذا له؟ ماذا أعَد لمثله الستار؟
لا تسكب العَبَراتِ في حي غدا
عند المليك ، له الجنانُ ديار
مهيارُ قد خَطتْ سِنيَ حياته
يدُ ربه ، قولي - لك - استذكار
واذكرْ مُصابك إذ فقدت محمداً
صلى عليه الراحمُ الغفار
أوَليس جدّك (طيباً) ، كن طيباً
أم قد سبا أطيابك (المهيار)؟
أوَما قرأت (لتبلونّ) وأختها
في (العنكبوت) ، وإنها أطوار
مهيارُ يا ولدي سبَقت ، وإننا
بك لا حقون ، يَطالنا الإدبار
هم أفسدوا دنياك ، لا تعبأ بهم
عمّا أتوْا تتورعُ الأعيار
أمّا دماؤك أفسدتْ أخراهمُ
لا يستوي الحُقراءُ والكُبّار
ومَقامُك الأسمى الجنانُ هنيئة
أبداً ، وعُقبى الظالمين النار
ما مت يوم قتلت ، بل نِلت المُنى
ويفوز بالرضوان الابنُ البار
سبعين قد زوّجت في دار الهنا
في وجه كلٍّ تُشرقُ الأنوار
أبشرْ أبا (مهيارَ) ، وافرحْ ، إنها
بُشرى أتاكم ظلها المِغزار
حتى تهونَ عليك كل بلية
فقدُ النبيّ مُصابُنا الهدار
إني أعيذك أن يُسربلك الجَوى
هذا ورب الناس بئسَ العار
اصمدْ ، ولا تكُ في البلية وانياً
هل مَن تلا قرآنه خوّار؟
ووصيتي للأم أنْ لا ترعوي
لهواجس يُدْلي بها الأشرار
كوني كخنساء الحنيفة ، واصبري
فبالاصطبار سترحلُ الأكدار
واسترجعي رب السماء ، وحمدلي
ولسوف يأخذ ثأرَه الجبار
وتذكري (أسماءَ) تُوصي إبنها
أنْ لا يُجندلَ عزمَه استعبار
وتذكريها ليلة استشهاده
إذ جاهدتْ ، هل مثل ذي تنهار؟
يا أم (مهيار) قصيرٌ عيشُنا
ستون أو سبعون ، فيم نضار؟
وسنلتقي (مهيارَ) يوم قيامةٍ
ليكنْ - على أناتك - استغفار
وتذكري موت النبيّ لتهدئي
ما العيشُ إما فارق المُختار؟
وأعود للفذ الذي هو شاعرٌ
لا فضّ فوه ، ولا قلى السُمّار
جعل القصيدة - في اللقاء - عزاءه
وأنا سمعتُ ، فشدني استبشار
فطفقتُ أنسجُ في المصاب معارضاً
فقصيدة الفذ الأديب مَنار
أبياتها تهدي السُراة سبيلهم
وكأنها – في الغيهب - الأقمار
جلت - عن الأنظار - ما حُجبتْ به
حتى رأت – بعيونها - الأنظار
إني لأكْبرُ نصّها ورموزها
أواه هل يرقى - بها - الإكبار؟
قطعاً له السبقُ الجليلُ ، وإن أكنْ
حاولتُ ، إن بضاعتي استشعار
هو خط درباً ، ثم سِرتُ خِلافه
شأني كمن سمعوا القصيد ، فغاروا
هذا هو القبطان فوق سفينه
وله - إلى بر الأمان - مسار
وأنا على هذي السفينة مُبحرٌ
لا يستوي القبطان والبحار
وأقول للفجّار مَن سفكوا الدما
لينفذوا ما قاله الديار
يوماً سنأخذ ثأرَنا وحقوقنا
إن كان عز - الآن - هذا الثار
يوماً سنمنحُ في الدنا أكتافكم
إنا إذا حان اللقا ثوار
يوماً سنظهرُ للأنام ضلالكم
ويبوءُ بالتمكين قومٌ ثاروا
ونذيقُ أهلَ البغي سوط عذابنا
ونصولُ يجمعُ صفنا استنفار
لا نستكينُ لمجرم خان الحِمى
فليسقطِ المُتغلب الختار
ما انفك يعقدُ بالدسائس صفقة
وكأنه - بين العِدا - سمسار
يوماً ستنتحرُ الزيوفُ جميعُها
ويزولُ رأسٌ حطه استعمار
يوماً سيبزغ فجرُ جيل كادح
ويُطِلُ - مِن قيح الظلام - نهار
يوماً ستنهزمُ الجنودُ ذليلة
ويَحز - أعناق العِدا - البتار
لا شيء يُدعى الذل في قاموسنا
بل نحن - في أصفادنا - الأحرار
يوماً سندحرُكم ، ونوهنُ كيدَكم
ولسوف تخلو منكمُ الأقطار
أفسدتمُ في الأرض ، وفق مِزاجكم
ولسوف يَطوي المُفسدين خسار
وبَغيتمُ ، والله مُهلكُ بغيكم
يا مُجرمون كفاكمُ استهتار
وكم اغتصبتم من نساءَ حرائر
والبعضُ أعلنها فلا إنكار
وكم اعتديتم ، واستبحتم شعبكم
فهل احتلالٌ جاهدته ديار؟
أسمعت بالعلماء يُحبَس جُلهم
ليدندنَ الطبالُ والزمار؟
أسمعت بالأدباء يُنفى جمعُهم
ليعربد السِكّيرُ والخمار؟
أخزاكمُ المولى ، وأخمدَ نارَكم
وأدالَ دولتكم أيا فجار
رب اكفناهم ، أنت أعلمُ بالذي
جاؤوا ، فأنت مَلاذ مَن يَحتار
لا بارك اللهُ المهيمنُ سَعيكم
إن المليك - على العِدا - جبار
أعداؤنا أنتم على طول المَدى
ووجودُكم فينا أذىً وضِرار
للهم دمّر كيدَ قومٍ أجرموا
وعلى التقاة الصالحين أغاروا
هدموا البيوت ، وشرّدوا أربابها
وبهم تكابدُ - هولها - الأمصار
قتلوا بدون جريرة خيرَ الورى
ودماءُ مَن قتلوهمُ أنهار
رب انتصرْ ، إنا غلبنا عُنوة
أرسلْ جنودك تبتلي مَن جَاروا
قد غرهم حِلم الإله عليهمُ
أغثِ التقاة فقد سرتْ أخطار
إن لم نكنْ أهلاً لنصرك ، فانتصرْ
لشريعةٍ فيها الأراذلُ مَاروا
وارحمْ إلهَ الناس (مهياراً) ، وكنْ
في عونه إذ عَز الاستنصار
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.