نور! - أحمد علي سليمان

ذكراكِ أغنتْ عن الأسماء والسِيَمِ
يا ربّة الجودِ والإحسانِ والكَرمِ

في القلب أنتِ ، وللذكرى حَفاوتها
والنفسُ تذكرُ ما أسديتِ مِن خِدم

وفي المشاعر مِن خير الجميل صدىً
وفي الأحاسيس جَرْسٌ حالمُ النغم

وفي الفؤاد ترانيمٌ مُسلية
بمثلها لم تجُدْ حناجرُ الرّنُم

يا مَن فراقي لها فاضت مرارته
ومنه صرتُ أعاني وطاة السقم

والعينُ تبكي ، إذا ما الطيفُ راودني
بدمع شوق - إلى لقياكِ - مُنسجم

أجلّ قدرَكِ في سِر وفي علن
وسائلي أسَرَ الأهلين كلهم

هم أكبروكِ بما أحكيه مِن نبُل
وبجّحوكِ لمَا أرويه مِن شِيَم

يا من مسحتِ دموعاً أحرقتْ كبدي
لولا يمينكِ سالت مِن عزيز دمي

يا من بذلتِ جهوداً غاب باذلها
فأنتِ أهلُ العطا والخير والقِيم

زينتِ ليْ العلمَ ، حتى بتّ أعشقه
والعلمُ خيرٌ مِن الأنساب واللحم

والعلمُ نورٌ ، وأهلُ العلم شُعلته
شتان - والله - بين النور والظلم

وكم تحملتِ مِن أجلي مُكابدة
وكم شرقتِ بما تُلقين مِن غُمَم

وكم قضيتِ من الأوقات أعذبَها
مع اللطيمة إذ جافى ذوو رحمي

وكنتِ لي - في الورى - أندى مربيةٍ
فلم أحِسِّ بما - في اليُتم - من سأم

وكم حنوتِ بعطفٍ لا مثيل له
حنانَ أم على أطفالها الفُطُم

وكم زرعتِ بقلبي الغصنَ مِن أسس
تهدي لشرع قويم طيب لقِم

وكم صبرتِ - على البذور - أنبتها
ربي تعالى اسمُه من واحدٍ حَكَم

وكم غرستِ مفاهيماً تُجمّلني
في قالب لم يكن يوماً بمنبهم

وكم تلوتِ كتابَ الله خاشعة
وكم أبنتِ حديث المصطفى الهشم

وكم أمرتِ بمعروفٍ بلا مَلل
وكم نهيتِ عن الفحشاء واللمم

فكنتِ بعد - رحيل الأم - والدة
وصُنتِ قلباً - بسهم العائدات - رُمي

حتى إذا احتفل الأقوام في ملأ
وللهدايا بريقٌ ساطعُ الحَدم

وقد نحلتكِ عطرَ الأم باكية
في جُؤنةٍ صُبغتْ بالورد والعَنم

وجُدتُ طائعة أرضِي معلمتي
بعِقد أم - من الأحزان - منفصم

وبعدُ سَطرتُ ما في القلب مِن شجن
ومِن شقاءٍ بنفسي خطه قلمي

هذان أثمنُ ما قد كنتُ أملكه
هدية شأنها مستشرفُ العِظم

تقبليها بلا لوم ولا عتب
لأن قصدي - وربي - غيرُ مُتهم

لو شئتُ أهديتُكِ الرياشَ فاخرة
مِن كل ثوب قشيب الشكل مُحتشم

أو شئتُ جئتكِ بالحُلي ما نظرتْ
عينٌ لها أبداً في عالم النسم

أو شئتُ جئتكِ بالأموال طائلة
عن طِيب نفس ، وهذا غيرُ مغتنم

وبيننا دارتِ الأيامُ دَورتها
وإنّ ذكرك يُقري خاطري وفمي

أحكيه للناس ، والدموعُ ساجمة
بأعذب السِيَر الشمّاء والكَلِم

فما نأيتِ عن الفؤاد يا أملي
ولا انتحيتُ هنا من أي مصطدم

وعشتُ أحلم بالعصماء تنصحني
بواعظٍ - بلطيف القول - متسم

ويوم عُرسي أتيتِ اليوم حاملة
خير الهدايا التي صِينتْ من القِدم

العقدُ والعطرُ قد أتيتِني بهما
بوجه والدةٍ في العُرس مُبتسم

جزاكِ ربكِ خيراً لا حُدودَ له
ولا أذاقكِ طعمَ البؤس والوَضَم

يا خيرَ أم لمن - في أمّها - فجعتْ
يا من - بكِ - اللهُ أنجاني من القحَم

لا شيء عندى سوى الدعاء أبذله
لله ضارعة - بالدمع - في الغسم

أن يحفظ الله مِن سُوءٍ مربيتي
وأن يُجَنبها مَطارقَ النقم

وأن يبدّلها - مِن ضِيقها - فرَجاً
ويوم لقياه تُعطى خيرَ مختتم

© 2024 - موقع الشعر