شَيْخٌ تُزَيِّنُهُ السَّجَايَا - رثاء الشيخ الدكتور/ سعيد عبد العظيم (رحمه الله) - أشرف السيد الصباغ

أَيَا وَجْهٌ تَأَلَّقَ فِي الْمَعَالِي
أَضَاءَتْ مِنْهُ أَنْوَارُ الْهِلَالِ

فَصَارَ شُعَاعَ خَيْرٍ فِي صَبَاحٍ
يُضِيءُ بِعِلْمِهِ ظُلَمَ اللَّيَالِي

وَيَرْوِي دَوْحَةَ الْأَخْلَاقِ نُورًا
لِيُطْفِئَ فَيْؤُهُ نَارَ الْوَبَالِ

وَيَنْشُرُ مِنْ غُصُونِ الْعِلْمِ عِطْرًا
تَدَلَّى قَطْفُهُ سَهْلُ الْمَنَالِ

بَشُوشُ الْوَجْهِ يَأنَسُ مَنْ يَرَاهُ
رَفِيعٌ قَدْرُهُ رَحْبُ الْمَجَالِ

فَتِلْكَ حَقِيقَةُ الْأَفْذَاذِ فِينَا
وَهَلْ قَبَسُ الْحَقَيقَةِ كَالْخَيَالِ؟

أَيَا شَيْخٌ تُزَيِّنُهُ السَّجَايَا
وَيَنْثُرُ وَعْظُهُ دُرَرَ الْمَقَالِ

فَحَيَّا اللهُ مَنْ أَحْيَا قُلُوبًا
وَرَدَّ النَّفْسَ عَنْ كُلِّ انْشِغَالِ

إِذَا مَا أَشْرَقَتْ شَمْسٌ لِنَحْيَا
سَيَغْرُبُ ضَوْؤُنَا عِنْدَ الزَّوَالِ

فَمَاتَ بِطَيْبَةٍ شَيْخٌ وَقُورٌ
يُجَاوِرُهُ الصِّحَابُ وَخَيْرُ آلِ

وَقَدْ بَصُرَ الْوَرَى نَعْيَ الْمَنَايَا
يَطُوفُ الْأَرْضَ كَالنُّوَبِ الثِّقَالِ

وَأَبْكَارُ الْمَعَانِي ثَيِّبَاتٌ
بِوَصْفٍ فَاقَهُ عَبَقُ الْجَمَالِ

وَبُشْرَى مُؤْمِنٍ فِي ظِلِّ مَدْحٍ
يُصَاحِبُ طَاعَةً فِي جُلِّ حَالِ

وَكَمْ مِنْ حَكْمَةٍ دَوَّى صَدَاهَا
تُصَافِحُ كَفُّهَا شِيَمَ الْفِعَالِ

إِذَا طَلَبَ الْفُؤَادُ نَجَاةَ دَرْبٍ
يُسَابِقُ عَزْمُهُ قِمَمَ الْجِبَالِ

وَلَوْلَا فِتْنَةٌ هَاجَتْ كَمَوْجٍ
لَأَضْحَى الرَّوْضُ مَوْفُورَ الظِّلَالِ

فَغَضَّ القَلْبُ طَرْفًا مِنْهُ وَعْيًا
لِيَجْمَعَ شَمْلَهُ حُسْنُ الْخِصَالِ

وَأَمْسَى الْأُفْقُ مِنْ حَوْلِي سُكُونًا
يُؤَمِّنُ لِلدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ

تَغَمَّدْ رَبَّنَا بِالْعَفْوِ شَيْخًا
وَأَلْبِسْهُ السَّعَادَةَ فِي الْمَآلِ

شعر:
أشرف السيد الصباغ

مناسبة القصيدة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء وسائر المرسلين. وبعد: فإن أكرَمَ الناسِ على الناس، من ترك أثرًا جميلا يُوقظ الإحساس، بأعمال صالحة أزكى من النبراس، والله يهب من يشاء بفضله رَشَدا، فهو حسيبه ولا نزكي على الله أحدا. (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴿32﴾). النجم. وخير الدعاة إلى الله مَن رآه بالخير استبشر، وإذا استمع إليه لفضائل الأعمال استحضر، ولمزالق الشر وخنادق الضُّرِّ استنكر. كلماته بلطائف العظات دقيقة، ونسماته بروائع الآمال رقيقة، وغاياته إلى بدائع الأوائل عميقة. يقطف من كل العلوم زهورا، فتحمل الريح من شذاه عبيرا، ويروي بنمير غمام نصحه سرورا، فتقرأ بدائعُ الجمالِ فيه سطورا، ويكسر أنفَ الشهرة ِإذا رفعت عقيرتها إليه غرورا، فيبقى بين العالمين بحسن الذكر قمرًا منيرا. تبصر له وجها واحدا متألقا، ولا يتلون تلون الحرباء متملقا، ويصعد قلبه بصالح الأعمال إلى ربه مشفقا، ويستمسك بأستار الرجاء متعلقا. (وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴿٦٠﴾ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴿٦١﴾). المؤمنون. وأكرم بدعوة حقٍّ ينابيعها يانعة! ولأصول كل بدعة قاطعة، ولجذور الغلوِّ عن النموِّ مانعة. وكل حق يُرفع بنيانُه من دون تأسيس، بنصوص القرآن والسنة الذَيْنِ يستوجبان التقديس، زلَّتْ قدمه في أوحال التدليس، وخارت عزيمته بين أحضان التلبيس، وشتَّانَ بين تقديس بتأسيس، وتدليس بتدنيس، والعاقل من يحذر على نفسه تلبيس إبليس. وما أكثر سُبُلَ الضلالةِ لأهل الجهالةِ وأظلمَها! وما أوضحَ طريقَ الهداية لأهلِ العدالة وأبلجَها! (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴿108﴾). يونس. ولا يسلم المسيرُ من ضبابات فَهْمٍ أجَّجتْها فتنة، ولا تنجو السبيلُ من غياباتِ وَهْمٍ أيقظتها شبهة، ولا يأمنُ المصيرُ من أشواك تأويلٍ غرستْها محنة، فَمَنِ استنار بأنوار الفهم، غارت بين يديه أنهار الوهم. ومن استظلَّ بظلِّ سحائب العبادة، استشرفته بالرضا براهين السعادة، فإذا أطلت له بقرونها الأباطيل، طرد عن قلبه فساد التأويل، واستمسك من الدين بالعروة الوثقى، واسترسل في مدارج السالكين حتى يرقى، ومن نأى عن الهدى في مدارك الهلاك لا محالة يبقى. وأصدق الأعمال ما كان الحق لها ميزانا، ووجد للإعانة عليه أعوانا وأنصارا، فاستبين دروب الحق من ضروب الشر تبيانا. (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم ﴿14﴾). محمد. وإذا ما نشبت أظفارُ الخلاف، انقسم الناسُ إلى أصناف، معتدلٍ في حجته يعانقُ الإنصاف، ومغالٍ في هجومه يلوكُ لسانُه أنكرَ الأوصاف، فيلبسُ الهجومُ ثوبَ النجوم، ويملأ الجسومَ موجُ الهموم، وأعقلُ الناسِ من أنصف قلبه من هواه، فيُسبغُ عليه ربه نعمتَه ويرعاه، ومن ارتدى رداء الفجور في الخصومة أرداه، فلا ترى شمسَ الهدايةِ عيناه. (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿213﴾). البقرة. وأقبحُ منازلِ الخسران، من استبد به شراك الخذلان، فوقع في شباك الحرمان، وتجرَّع الذل من كؤوس الهوان، رجاؤه في النجاة سراب وأمنيته دخان، يشتاق إليه سعير النيران، ضيَّعَ الأمانةَ فليس له أمان. وأعظم ما يرجوه الأنام، ميتة شذاها مسك الختام، وضوؤها كصبح يُذهبُ الظلام، وتُزف إليه خيرُ بشرى من ملائكةٍ كرام، فتسعد به الروحُ عند نيل المرام. (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿32﴾ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿33﴾ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ﴿34﴾). النحل.
© 2024 - موقع الشعر