خذوا ولدكم والجائزة - أحمد علي سليمان

الطفلُ تاهَ ، وجُل الأهل في شُغلِ
حتى أصيبوا من الأشغال بالمَللِ

كم يَشغل الناسَ سَفسافٌ ، فيفتتنوا
وقد يجُرُّ هوى السفساف للضلل

كم يهزل الناسُ وقت الجد عن رغب
فيذهب الجد في بحبوحة الهزَل

كم يهرفون بما لا يعرفون ، فلا
يكون حِرصٌ ، يُنَجِّيهم من المَيَل

كم يُقبلون على الأهواء تحسبُهم
قد ابتُلوا من دجى الأهواء بالخبل

ما قلتُ: لا تفرحوا ، لكن بلا سرفٍ
ما قلتُ: لا تنطقوا ، لكن بلا دجل

ما قلتُ: لا تحزنوا ، لكن بلا بدع
من الأحاجي تُصيبُ العقلَ بالهبل

ما قلتُ: لا تطرقوا الأسواق بُغيتُكم
شراءُ ملبسكم والشربِ والأكُل

ما قلت: لا تصحبوا الأطفال في سفر
بل اصحبوهم بلا لهو ولا شُغُل

بحاجةٍ طفلكم للوعي ، فانتبهوا
شتان شتان بين الطفل والرجل

طفل القصيدة ضل الدربَ في زمَر
في غيِّها وجدتْ شيئاً من البدل

قادتْه رجلاه للتيه البهيم ضُحىً
وسرَّه منظرُ الأغنام والإبل

في بيئة تشتهي العيونُ رؤيتها
والبدو يرعون بين السهل والجبل

والطفل يرتصدُ الخراف يذهله
نِطاحُ أعنزها بالتيس والوعل

وغابتِ الشمسُ ، والرعاة قد فطنوا
للطفل يحملُ بعض العُشب للحَمَل

وشاردٌ ذهنه في عالم مَحِل
وكله عجبٌ مِن مِشية الجمل

كيف الرحيلُ ، وهذا الضيفُ عُهدتُهم؟
كيف التصرفُ في ذا المأزق الجلل؟

أنت ابنُ من يا فتى؟ فلا يُجيبهمُ
وفي القلوب عذاباتٌ مِن الوجل

هل يتركون الفتى في التيه منجدلاً
بين الحقول بلا قربى ولا أهَل؟

يبكي ويخنقه البكاء في ملإ
يريدُ خدمته ، يَضيق بالحِيَل

يقول: (بابا وماما) أين أين هما؟
بدمع عين كمثل الوابل الهطل

ولا ح في الأفق شابٌ راشدٌ فطنٌ
أعطى الرعاة تباشيراً من الأمل

قال: اتركوه أنا للأهل أوصله
عندي لذلك آحادٌ مِن السُّبُل

خلوا السبيلَ ، وربي سوف يأجرُكم
على النوايا ، ويُعطيني على العمل

فاستبشرَ الطفلُ ، واحتفتْ سريرتُه
والشابُ جفف دمعَ الطفل بالقبَل

وقال: تعرف (بابا) ، قال أعرفه
وسوف يأتيك ، و(الماما) على عجَل

ثم اشترى قطعَ الحلوى ليأكلها
وقال: حلوى الأمير الفارس البطل

وراح يطلبُ ألعاباً يتوقُ لها
وفي مقاطعها شيءٌ من الزجل

فإذ بصورته في (الفيس) شاخصة
تُصيب ناظرَها بالعطف والوَجل

وتحت صورته (المليونُ) جائزة
في منظر أسِفٍ ، أو مشهد حَفِل

فقال للطفل: أبشرْ فالنجاة أتتْ
فلا سبيل إلى الإهلاك والغِيَل

نُجري اتصالاً ، وكل الخير يعقبُه
دعنا من اللعْب والتسويف والمَطل

فقيل: من؟ قال: راعي الطفل يسمعكم
والطفلُ في يده ، جدوا بلا كسل

فجاء والده ، والشيك في يده
حتى يدون إسم الطيب النبِل

فقال: كلا ، فرب الناس يأجرني
له عملتُ ، فلا تستكثروا عملي

خذوا الفتى ، وخذوا مليونكم معهُ
ما عند رب الورى خيرٌ من النحَل

إني احتسبتُ صنيعي عند خالقنا
ولستُ أرجو بما احتسبتُ من بدل

مناسبة القصيدة

(ضل طريقه طفلٌ بين الخامسة والسادسة من عمره. ولم يكن يدري عن أهله شيئاً ، لا أسماءهم ولا مكانهم. وظفر به مجموعة من البدو الرُّحَّل. وضاقتْ حِيلتهم ، ماذا يصنعون به ، وكيف يتصرفون معه. فلا وقت عندهم ، حيث كانت أغنامهم ومعازهم وأبقارهم أولى بالاهتمام من وجهة نظرهم. فإذا بشاب يركب دراجته لاح لهم من بعيد. فأرسلوا أحدهم ليسأله كيف يتصرفون مع هذا الطفل ، وماذا عليهم حِياله. فاهتم الشاب بالطفل وأخذه من البدو ، وأصلح من شأنه ، ورده لأهله ، وأبي قبول جائزة العثور عليه وكانت مليون جنيه. فأبوه من الأثرياء. وقال الشاب: فعلتُ هذا لله ، وهو يأجرني.(
© 2025 - موقع الشعر