لك العتبى يا فراتية (محاكاة للفراتية) - أحمد علي سليمان

شهودُ الزور ليس لهم حُدودُ
فرفقاً بالمُعذب يا خلودُ

يسوقون الزيوف بلا احتراز
وفي التصديق ليس لهم رَصيد

حنانيكِ السكينة أين ولتْ؟
وأين الرُّشْدُ والرأيُّ السديد؟

أهيبُ بكِ الدسائسُ مَزقتنا
وأعيتْنا الهواجسُ والقيود

أعيذكِ أنْ تُسربلكِ الدَّعاوى
يُرَوِّجُهن شيطانٌ مَريد

بذلتُ لكِ الخيورَ بلا حساب
وهالتْكِ الجمائلُ والجهود

ولم أبخلْ بعارفة ، لأحظى
ببعض رضاكِ ، أنتِ ليَ الوجود

وزللتُ الصعابَ بلا اكتراثٍ
وبالتصميم قد كُسِرَ الجمود

وحطمتُ العوائقَ دون خوفٍ
يَزول الخوفُ إنْ شمخ الصمود

وفيكِ قبلتُ بعضَ تنازلاتٍ
وعندكِ علمُها الجَمُّ المَزيد

وزوَّجَنا المُهيمنُ بعد لأي
وإنْ كرهَ المُخببُ والحسود

وزان البيت عذبُ قيام ليل
وحَلى العيشَ قرآنٌ مجيد

وتقوى الله زادتْنا رشاداً
وذو التقوى هو العبدُ الرشيد

وأوضاعٌ تُبَكي مَن رآها
ومنها القلبُ مكتئبٌ وجيد

هداديكِ (اليمامة) ما عنتْنا
فكيف يَزيد مِحنتنا (القصيد)؟

ألا إن (الفراتية) أزكى
وكيف يخونها البصرُ الحديد؟

إذا ما عاينتْ ما نحن فيه
فلستُ أقولُ يَخدعُها الشهود

ستبصِرُ ذكرياتٍ لا تُبارى
وتأسرُها المَواثقُ والعهود

وترتصِدُ المطامحُ نابضاتٍ
يُناولها الرَّجا العزمُ الأكيد

وتنظرُ عينها أطلالَ بيت
تحداه التهورُ والجُحُود

ستعذرني ، أنا المطعونُ غدراً
وشرياني تمزقَ والوريد

غريمي كاد لي ، وطغى عّذولي
وزلزل عزمتي الخصمُ اللدود

وأدلى الكل في وجعي دِلاءً
فكيف يُقاومُ الأعدا وحيد؟

وكنتُ أسيرُ مُختالاً ببأسي
فصفدني عن السير القعود

يمامة خففي مِن زجر حُر
يُراهنه على العز العبيد

خبرتُكِ في احتساب الأجر فضلى
تسوقُ النصحَ زبدتُه نشيد

ترى في الوصل خيراً مستفيضاً
وتأمرُ أهلَ هجر أن يعودوا

وكيف تموتُ ذكرى الحب قهراً
ويَقطعُ وصلنا الطيشُ العنيد؟

مُريها أن تكف عن التدني
وتسموَ حيث ينفعها الصعود

لك العُتبى إذا عادتْ حياتي
وبيتٌ بالرضا قصرٌ مَشيد

لكِ العُتبى القصيدة أطمعتْها
بأبياتٍ لها وَقعٌ شديد

فلم تر سُوءها ، ورأتْ عيوبي
فطابَ مُقامها ، وأنا الشريد

ونامتْ ليلها ، ولفظتُ نومي
فهل عيشٌ وليس به رقود؟

ولا يُنبيكِ عن زوج تعيس
شقي ، واسمه حقاً سعيد

كمن عانى مِن الأوباش حاكوا
مؤامرة دِماهُ لها الوقود

يمامة ذكّريها ، وانصحيها
فبالتذكير كم زالتْ رُعود

وكم ذكَّرتُ ، لكنْ قاطعتْني
ومطمحُها إلى الحُسنى زهيد

تُحاكي في التمحُّك أخريات
كما فعلت صديقتُها عَنود

تقلد دون وعي أو رشادٍ
كما تحتالُ رهن الأمر غِيد

أنا (قيسٌ) ، وهذي غيرُ ليلى
لها قلبٌ تُطاوعُه كَنود

أصالحُها وليس تُطيقُ صلحاً
وأدعو الله ، يشهدُ لي السجود

وأرسلتُ الوفود أريدُ حلاً
فباءتْ بالمُكابدة الوفود

وسطرتُ الرسائلَ واضحاتٍ
وليس الرَّدُّ يحمله البريد

وناولتُ (المسنجرَ) بعضَ وَجدي
وأقوالاً هي الدُّرُّ النضيد

وعبر (الواتس) كانت أغنياتي
تُسائلُ مَن جفتْ أين الوعود؟

يمامة أرشديها للمَعالي
فبالإرشاد يُمتحنُ الوعيد

هبيها تستجيبُ ، فتجتلينا
مِن الإشمات يَمقتُه الطريد

ولو تُشرَى النصائحُ قلتُ: مَرحى
فليس النصحُ تُثقِله النقود

لكِ العُتبى (يمامة) إن أفاقتْ
لكِ العُتبى إذا اعتدلتْ خلود

مناسبة القصيدة

(كم يحدث بين الأزواج من خلافاتٍ ومشكلات. وكل زوجين حكيمين راشدين عاقلين قادران على إيجاد الحلول المتعددة للمشكلات لا محالة. ولكن عندما تتدخلُ الأطرافُ الجاهلية الغبية المغرضة الجاهلة تتفاقم المشكلات ، وتستحيلُ الحلول. وعلى مَقربة مني يعيش عروسان: (خلود وسعيد) من النوع قليل الخبرة بالحياة الزوجية ، حيث إنهما حديثا عهدٍ بعُرس. وافترقا على إصر خلافاتٍ ومشاداتٍ حادةٍ بينهما. فراحت العروس (خلود) ترى في القطيعة الأبدية حلاً. وراحتْ بناءً على ذلك ترفضُ جميعَ الحلول. وسَوَّل لها شيطانها أن الفراق هو الحل الوحيد وبينما كنتُ أفكرُ في كتابة نص يُعالجُ هذا النشوز وذلك الإعراض الغير مبررين ، لاح لي نصُّ الشاعرة (اليمامة الفراتية). فإذا به يترجم كل الذي ارتأته عروسُ قصيدتنا ضحية المغرضين والمُخَببين فتخيلتُ العريس (سعيداً) يرد عليها ويعتذر لها ، ويذكرها بمولودهما الذي لم يُكمل شهره الأول وزواجهما الذي لم يُكمل عامه الأول. ولكنها أعرضتْ ونأتْ بجانبها. وكأنها أخذتْ برأي الفراتية التي صدقت شهود الزور ، ورأتِ الوصل مستحيلاً ، وأن الهجر الأبدي هو الحل الوحيد. وكان ينبغي عليها قبول العتاب واللوم ، وفتح الباب للصلح غير المشروط (.
© 2025 - موقع الشعر