خنساوات الشام(معارضة لرحاب المحمود) - أحمد علي سليمان

الشامُ مُرتكَزُ المَطامح والأمَلْ
في قابل الأيام ، بل منذ الأزلْ

مأوى الرسالات احتفتْ بنصوصها
وعلى مَرابعها دعا بعضُ الرسل

أرضٌ مباركة ، وشعبٌ طيبٌ
ولقولتي سَندٌ صَحيحٌ مُتصل

والنصُّ في القرآن أنصَعُ حُجةٍ
هل – عن كتاب الله – للداعي حِوَل؟

والسُّنة انطلقتْ تُجَلي شأنها
تصفُ الرباط بها ، وتمتدحُ العمل

الشامُ عُدتُنا ليوم كريهةٍ
ومَنارُنا إن ساد ظلمٌ أو ضَلل

وحقائق التاريخ أكبرُ شاهدٍ
تهدي مَن استهدى ، وتغتالُ الدَّجل

أوصى بسُكناها الرسولُ مُحَبذاً
داراً تُهنيء مَن لِما أوصى امتثل

ودعا لها ربَّ السماء مُؤمِّلاً
ولأهلها كم كال مدحاً وابتهل

إن عربدَتْ مِحنٌ وحَلتْ فِتنة
فالشامُ مَوئلُ مَن إليها يرتحل

شاميُّ الإيمانُ إنْ عَمَّ البلا
وتعدَّدتْ كُرَبٌ ، وخيَّمتِ النحَل

وجنودُها خيرُ الجنود شهامة
وعلى الجنود الشُّمِّ ينعقدُ الأمل

الشامُ صَفوة ربنا مِن أرضه
وبها خِيارُ الناس أربابُ المُثُل

وبها توكَّلَ ربنا لرسوله
وتوكلَ الرحمنُ أيضاً بالأهَل

وصلاحُ أهل الشام فيه صلاحُنا
وفسادُهم قهرٌ ومشأمة وذل

فسطاط (غوطتهم) بشيرُ نجاتنا
ودمشقُ تمتحنُ الجراحَ لتندمل

وبأهلها الجبارُ ينصرُ دينه
زمنَ المَلاحم إنْ تعددتِ الوُسُل

وسلاحُهم أزكى السلاح ، وخيلهم
أرجى الخيول السَّهلُ يشهدُ والجبل

ونزول (عيسى) بالمنارة مَعلمٌ
وقتاله (الدجالَ) ذا خطبٌ جَلل

وظهورُ أهل الشام يختصرُ المَدى
ويُعيدُ حقاً كم تقهقرَ واضمحل

حتى (المسيح) كذا يُصلي خلفهم
وتكونُ مَكرمة ترُوجُ وتكتمل

وملائكُ الرحمن تحرُسُ شامنا
ببساط أجنحةٍ تزولُ بها العِلل

واليوم أرضُ الشام تزدردُ العِدا
وتبيدُ منهم ما تقرُّ به المُقل

حَييتُ خندمة ترَفعَ جُندها
عن حظ نفس كم يقود إلى الخبل

وأميرُها لفظ الترهُّلَ والكرى
ومضى يُصارعُ في مطامحه الكسل

لم يتخذ لغة التعالي منهجاً
أنجاه ربُّ الناس مِن هذا الزلل

وقد التقى الجيشان: جيش كرامةٍ
وأميرُه - في ساحة الهيجا - بطل

والجيشُ يأملُ أن يعيدَ من اعتدى
والحربُ بينهما تهِيجُ وتشتعل

واستبسلت (شبيحة) تغشى الوغى
وعلى مبادئها الحقيرة تتكل

وأذاقها الأبطالُ كأسَ مَذلةٍ
تُزري بمُعضلةٍ لها الإعدامُ حَل

وتساقط الشهداءُ في ساح القنا
ودماؤهم فوق البسيطة تنهطل

إذ إنهم كبشُ الفداء بساحةٍ
مَدتْ موائدَها لها شتى الدول

واللهُ ناصرُ جندِه مهما جرى
مهما تعدَّدتِ المطامعُ والسبُل

والأمهاتُ على الضحايا أمَّة
تبكي بدمع – في المصيبة - منهطل

وتئنُّ مِن وجع البلية أمَّة
ويؤزها نحو المصير أسى الوجل

غال علينا الدمعُ يا أخواتنا
والله يعلمُ كيف أعيتنا الحِيل

أنتن أخبرُ بالصمود وسَمته
ولكُنَّ في تبعاته صبرُ الجمل

أنتن (خنساواتُ) أهل شآمنا
ومُصابُكن مُجندلٌ لا يُحتمل

فاصبرْن صبرَ (تُماضُر) في كربها
فبصبرها في البأس كم ضُرب المُّثُل

مَدَحتْ (رحابُ) ، فرصَّعتْ أبياتِها
بلآليء تُزري بنجم قد أفل

فإذا القصيدة تجتني أشواقنا
لنرى انتصارَ الشام رغم دُجى الغِيَل

وتخيَّرتْ مِن كل فن حُسنه
وقصيد مثلي لن يكون لها البدل

أنا يا (رحابُ) أقرُّ بالضنك انجلى
لكنَّ خوفاً في الترائب يعتمل

ماذا يُخَبيء في مكامنه غدٌ؟
أنا لستُ للمجهول يوماُ أرتجل

تعساً لحرب سربلتْ أحبابنا
وعلى ضحاياها ستارٌ منسدل

أنا سائلٌ ربَّ الأنام ، فأمِّنِي
واللهُ عن هذي الدغاول ما غفل

رباهُ رفقاً بالشآم وأهلها
فلأنت أكرمُ – يا مهيمنُ – مَن سُئل

يا رب عانوا من بلاءٍ مُمْحل
فاجبُرْ مصابَ القوم ، ثم انفِ الدغل

عقدٌ ونصفٌ والدماءُ سكيبة
وجراحُ أهل الشام ليست تندمل

يا رب مُن على الشآم بنصرة
تُعلي الكرامَ ، وتقهرُ القومَ السفل

وأقمْ بأرض الشام أعظمَ دولةٍ
لتكون من خير الممالك والدول

حققْ بها ما قد رآه نبينا
وحِّدْ صفوفَ الجُند واستقصي الخلل

وانصرْ عِباداً يشتهون فلاحها
واخذل إلهي كل عبدٍ قد خذل

مناسبة القصيدة

(قبل عقدين تقريباً كتبتُ قصيدة: (إلى خنساوات فلسطين) أتناول فيها الصمودَ الأسطوريَّ لنساء فلسطين ، وهن يحتسبن فلذاتِ أكبادهن عند الله عز وجل! وكأنهن يُذكِّرْننا بالخنساء تلك الصحابية الجليلة وهي تحتسب أبناءها الأربعة في معركة القادسية! وأما قصيدة: (خنساوات الشام) فكان الباعث عليها نصٌ كتبتْه شقيقة الشعر وأخت القريض الشاعرة رحاب المحمود ، وعنوانه: (خنساء العرب) تناولتْ فيه إحدى الأمهات الشاميات وهي تحتسب أبناءها الثلاثة في سبيل الله! فنبهتْ (رحاب) مني غافلاً ، حيثُ رأيتُ وطالعتُ الكثير عن أمهات شاميات أخريات يحتسبن أولادهن منذ عقد ونصف! فكتبتُ: (خنساوات الشام) معارضاً لرحاب المحمود!)
© 2025 - موقع الشعر