عاشق أذله العشق (محاكاة للعامرية) - أحمد علي سليمان

عَشِقتُ ، وما عزمتُ على الفراق
وسربلني التياعي واشتياقي

وما أسِفتْ لِمَا ألقى لكاعٌ
فما لي - في الحفاوة - مِن خلاق

لعَاً للحُب جَندلَ نبضَ قلبي
وأغرقَ وَجنتي دمعُ المآق

وناولتُ التي أحببتُ بذلي
وصِدقي كان أعظمَ مِن صَداقي

كم اعتنقتْ مَحبتها صمودي
فلم تعبأ بذائقة اعتناقي

وألهبتُ المشاعرَ مُستطيباً
جحيمَ العشق في أعتى احتراق

وضمَّختُ العواطفَ باحتفائي
بمَن خفرتْ جواري والتلاقي

ولم ترحمْ خضوعي وانكساري
لحب ضاع مِن فرط الشقاق

ولولا عِزتي لرضَختُ طوعاً
وما سلبتْ حماقتها البواقي

وجرَّعني التولهُ مُرَّ كأس
مِن الهجران مُترعةٍ دِهاق

على يدِ غادةٍ قلبي اصطفاها
وإذ عاتبتُها شدَّتْ وَثاقي

وجَدَّتْ في مُقاطعتي انتقاماً
وطابَ لها – بلا عُذر - فِراقي

وتأتي (العامرية) عن يَقين
تلومُ ، وليس ترحمُ ما ألاقي

أيا (ابنة مانع) رِقي وصُوني
بقايا عِزةٍ تهوى اختناقي

أنا المظلومُ ، مَظلمتي استجارتْ
لرب – بعد موت الخلق - باقي

ولم أرَ عاشقاً في الناس مِثلي
ويعلمُ بي كثيرٌ مِن رفاقي

تحَمَّلتُ الكثيرَ لأجل حُب
تسَلى عابثاً بدمي المُراق

ولاكَ مَناقبي ، وزوى إبائي
ولتَّ مَعزتي مثلَ الرُّقاق

وزادتْني قصيدتُكِ التياعاً
وكم لكِ مِن كِنايات رِقاق

تُحَرِّكُ كل إحساس تعزى
ببعض الحب رغم لظى افتراق

رُوَيدكِ وارحمي صَباً تأبَّى
على حَبْكِ التصنع والنفاق

وحالي صِنوُ حالك دون شك
كِلانا أزه ألمُ الفراق

فما في الحب أرضٌ دون أرض
وما اختلف الزقاقُ عن الزقاق

وبنتُ (كِنانتي) بالحب وَجعى
كما وجعتْ به بنتُ العراق

حنانيكِ الملامة عَذبتني
وصاحِبتي تُلوِّحُ بالطلاق

فهل عدلٌ تلاعُبُها بحبي
وتعيير له أشقى مَذاق؟

وهل رُشْدٌ تجمُّلها بأهل
سُيوفهمُ تحِنُّ إلى امتشاق؟

يمينَ الله أضنتني المآسي
متى مِن هذه البلوى انعتاقي؟

ثوى حبي ، وخابت أمنياتي
ولم يكُ ما دهاني بالمُطاق

غدا حالي كطفل مُستغيثٍ
برب الناس في أيدي الرَّواقي

قصيدتُكِ استكان لها ضميري
بأسلوب مِن التحنان راقي

وتعبيرات مَن ثكِلتْ حبيباً
سعتْ كظباء بيداءٍ رشاق

بأبياتٍ يُزخرفها بديعٌ
تُحلي بالمحاسن والطباق

بألفاظٍ تنبه كل غِر
ليُدرك شأنه بعد الفواق

تُضاهئُ ما أصارعُ مِن دَواهٍ
بأحوال لها نفسُ انطباق

فهل خبرَتْ قريحتُها بأمري
لعالمه اعتلتْ مَتنَ البراق؟

فقلتُ: (العامرية) عاجلتني
بسهم ليس مِن شَجواه واقي

أيا (ابنة مانع) أوجعتِ حُراً
مِن الصدمات يحيا كالمُعاق

لنا ذاتُ الرزية دون ذنب
كأنا في المصيبة في استباق

وكان الحب بدراً في سمانا
ولم يكُ ذات يوم بالمُحاق

كِلانا مخلصٌ في الحب ، لكنْ
شريكُ الحب ضَحَّى بالوفاق

ولم يدر الوفاءُ له سبيلاً
ليدأب في الوداد والاتفاق

وليس الأمرُ مُختلطاً عليهِ
ولم يكُ في التعنت بالمُساق

فكم بلوى يُدَهدِهها اعتذارٌ
وتقبيلُ اليدين مع العناق

فلا ألفيكِ باكية تُلاحي
وتعرضُ ذكرياتٍ في الرُّواق

إذا ما الإلفُ عاندَ مُستخِفاً
وأمعنَ في الشكوك والاختلاق

وأهدرَ كل حق دون جدوى
ورحَّبَ بالقطيعة والفِراق

وحالَ بحُمقه دون ارتقاءٍ
ودون نهوضنا والإنطلاق

وجَرَّعَ مَن يحبُّ كؤوسَ ذل
وكان بما يُقدِّمُ شر ساقي

له ما اختار ، والتفريق حلٌ
وتعساً للخنوع والارتفاق

سِنِيُّ العمر ضاعتْ في التلاحي
وليس خريفُ دُوح كالوِراق

ليُغن الله كلاً من عطاه
ورزق الله موفورٌ وباقي

مناسبة القصيدة

(طالعتُ ما كتبتِ الشاعرة العراقية الكبيرة (العامرية ابنة مانع) عن ألم الفراق الذي يُقاسيه كل مُحب فارقه محبوبه ، فأحسستُ أنها تتناول جانباً كبيراً من حياتي فشرعتُ في مُحاكاة نصِّها مُلقياً باللائمة عليها ، وذلك لمَدى التشابه بين ما ذهبتْ إليه في قصيدتها والذي أعيش ، بسبب الحب والعطاء بلا حدود وبينتُ أن العطاء الزائد عن الحد أحياناً يكون سبباً مباشراً في البلاء والأذى وأدرك جيداً ما لنص العامرية من جَزالة وقوة ، وإنما هي المحاولة فقط ، إن نجحتْ في مُحاكاة نصِّها فمِن الله تعالى وعلى نور منه وبتوفيق منه. وإن أخفقتْ قصيدتي ، فيكفيني شـرف محاكـاة الشاعرة العامريـة لقد استهلتِ نصَّها قائلة:- كتبتُ الشِّعرَ مِن فَرطِ اشتياقي فلا صَبرٌ يُعينُ على الفِراقِ كتبتُ الشِّعرَ كَي ألقى انشِراحًا عَساهُ أَن يُنَفِّسَ مِن خِناقي فَهَل تُروي المشوقَ حُروفُ شِعرٍ؟ وَهَل تُجدي كما يُجدي التَّلاقي؟ واستمرتِ الشاعرة العامرية في تصوير لواعج الفراق ، وتفصيل مشاقه وسرد مآسيه فراحت توبخ من يلومها على ما قالت من التوصيف والوصف ، واستمرت ابنة مانع في مواساة نفسها واصفة ألم الشوق ومنغصات الفراق ، واصفة كذلك فرط صبرها ونفاده فقالت في ختام النص:- فلا عَتبٌ يُفيدُ ولا مَلامٌ ولا طِبٌّ ولا شيخٌ وَرَاقِ ولا الأيّامُ تُنسيني خليلًا بِوَسطِ مَحاجري والروحِ باقِ ألا يا لائِمي أَقْصِر فإِنِّي أَصَمٌّ عن ضَلالٍ أو شِقاقِ ولو يوما بُلِيتَ ببعضِ ما بي لكُنتَ ومَا أقولُ على وَفاقِ وعودٌ إلى الشاعرة العامرية ابنة مانع في قصيدتها الرائعة التي حاكيتها في هذا النص الذي عنونتُ له بـ: (عاشق أذله العشق)
© 2025 - موقع الشعر