سبقوا وأنا بهم لاحقة - أحمد علي سليمان

حصدَ الموتُ الكل - في التو - حصدا
وإليَّ - جسرَ النهاية - مَدا

حادثٌ فاق الحوادثَ سُوءاً
والحياة ضدٌّ يُصارع ضِدا

كُتبَ الموتُ ، فالفناءُ مصيرٌ
ليس عبدٌ يُؤتى - بذي الدار - خُلدا

والمليكُ خط المقادير قطعاً
ثم عدّ كل المخاليق عدا

والجميعُ آتون يوماً إليهِ
ومِن الرجعى - صدّقوا – لا بُدا

والعجيبُ أن الجميعَ قيامٌ
يُحشرون عبداً يجادل عبدا

فالتقاة الأبرارُ باؤوا بخير
حُشِروا للمولى المهيمن وفدا

والعصاة الأشرار باؤوا بشر
حيث سِيقوا للنار – بالجبر - وِردا

ما لهم - مِن شفاعةٍ - في البرايا
غير عبدٍ قد عاهد الله عهدا

لم يفرّوا - من الحساب - بتاتاً
وسيأتي كلٌّ إلى الله فردا

قد ركبنا نعشَ الحِمام صباحاً
فإذا النعشُ مُرغماً يتردى

في رمال كم أشربتْ مِن دمانا
والعيونُ أمست - مِن النزف - رُمْدا

والجراحُ تُدْمي قلوباً رأتها
ثم تبكي - على المُصابين - وَجدا

صعدتْ أرواحُ الجميع ، وماتوا
والجثامينُ ترجو الثرى واللحدا

هذه الأشلاءُ الكثيرة حولي
قد زهدتُ - من أجلها - العيشَ زهدا

كم أيادٍ - عنها الأصابعُ - زالت
والمنايا قد أفقدتها الجِلدا

كم لحوم تكسّر العظمُ فيها
ثم باتت تشكو الدمَ المُسْودا

رأس طفل قد أغرقتني دماء
ثم بطن منها المعيُّ تبدّي

بل عيون هذين ما أبصرتني
كل عين ضمّت - مع الأنف - خدا

وبكفّي عاينت كف رضيع
وإلى قلبي مَد ذلك يدّا

إنني قد عايشت شيئاً فظيعاً
ما كذبتُ إن قلت شيئاً إدا

إذ تكاد السماء أن تتهاوى
من أساه ، والأرضُ أن تزبَدّا

والحياة تكاد تبكي علينا
والجبالُ تكاد تنهد هدا

أن غدَوْنا صرعى بأرض فلاةٍ
بعدما فارقنا القرى والبُلدا

لا صديقٌ ، ولا خليلٌ يُواسي
والأنينُ - رغم الثبات - اشتدا

والدموعُ كالسيل ، أو هي أعتى
والنحيبُ جسرٌ إليَّ امتدا

قد فجعتُ في أسرتي ، وحياتي
مَن غبيٌ مصابَه يتحدى؟

غيرَ أن الأحزان طالت ثباتي
والجوى كم على اليقين تعدّى

واصطباري أمسى رهينَ المآسي
وي كأني في العيش ما ذقت سعدا

كم سألتُ الباكين مَن شاهدونا
غيرَ أني لم ألق للسُؤل ردا

إنني متّ قبل نزف دمائي
واحترقتُ ، وامتدّ موتيَ عقدا

ليتني مِتّ قبل موت الضحايا
أو رزقتُ - إصر البلية – رُشدا

ليت أمّي لمَّا تلدْني لأشقى
أو حُبيتُ إذ عشتُ سَمتاً أهدى

احملوا طفلي ، وابذلوا كل خير
وامنحوه أمّاً ، وداراً ، ومَهدا

ما له - قط - بعد ربي سواكم
يا كِراماً كونوا لطفليَ جندا

يغتذي مِن كأسين: كلٌ مريرٌ
بهما كم يرمي - على الناس - حقدا

كأسُ يُتم يَقوى بكأس رضاع
فابذلوا - للطفل اليتيم - الوُدا

ربما - بالإحسان - نلتم ثواباً
إن ربي - منكم - يريد الجهدا

يا صغيري - عند المليك - التلاقي
واللقاءُ يحلو ، إذا ازددت بُعدا

هكذا الدنيا ومَن يعيشُ عليها
مثل بحر يَشتط جَزراً ومَدّا

© 2024 - موقع الشعر