فرعون وملأه وجنده! - أحمد علي سليمان

كم بسِفر التاريخ من طغيانِ
في قديم الزمان ، أو في زماني

إنه الظلمُ يَستطيلُ ويَطغى
مستعيناً بالقهر والعدوان

يُفسدُ العيشَ من جميع النواحي
موغلاً في الإفساد والعصيان

وله الأمجادُ الكذوبة صِيغتْ
صاغها البُلهُ جَوقة البُهتان

أفردُوهُ بالسؤدَد العَفِّ زوراً
فافترى في التضليل والشنآن

فرعنوه ، والأصلُ فيه التردِّي
فتمادى في الجَور والطغيان

ذبَّحَ الأولادَ الذين استجاروا
ثم أبقى الحياة للنسوان

فرَّق الناسَ في المدائن حتى
يَستقرَّ حكمٌ أتى بالهوان

إصرَ رؤيا جاءتْ له في منام
حيثُ جاء ما ليس في الحُسبان

أي عقل هذا؟ وأيُّ رشادٍ؟
عقلُ غِر ما فيه من رُجحان

والتقتْ أهواءُ الطغاة ، وكادوا
ليس هذا يحتاجُ للبرهان

مَلأ أغرى رأسَه بالأماني
والجنودُ مِن أحقر الأعوان

قال: إني أرى الذي غاب عنكم
لكمُ اخترتُ أفضلَ الأديان

جاء (موسى) بالسحر ، لا تُمهلوني
إن تبديل الدين كالخسران

فإذا بالفرعون يَجمعُ كيداً
ثم يَلقى (الكليمَ) في الميدان

وإذا بالسُّحَّار جاؤوا تِباعاً
ينصرون الفرعونَ دون تواني

يبذلون في نصرة الكفر جُهداً
أظهروا فيها وازعَ الإحسان

قال (موسى): لا تفتروا واستجيبوا
لا تبوؤوا بالكِبْر والنكران

ثم زاد: ألقوا الحِبال ، ولا لن
تُفلحوا ، إن السحر للبطلان

ثم ألقى (موسى) عصاه مُجيباً
دون إبطاءٍ مَطلبَ الرحمن

فإذا بالعصا تفضُّ التحدِّي
واستحالتْ فوراً إلى ثعبان

وإذا بالإيمان يَغشى فِئاماً
أعلنوه ، اعتزوا بذا الإعلان

وإذا بالفرعون يُعلِنُ حرباً
سَمتُها لم يخطرْ على الحُسبان

ولديه الأجنادُ فيها عبيداً
والملا قد حازوا مِن السلطان

واستماتوا في حرب قوم تقاةٍ
جالدوهم ظلماً بأعتى سِنان

ثم ساروا وراء (موسى) انتقاماً
عند بحر مستحكم الشطآن

فإذا بالعصا تشق طريقاً
جانباهُ في بحره جبلان

جاز (موسى) ، والمؤمنون تِباعاً
سالمين في غِبطة وأمان

والفراعينُ البحرُ أغشى عليهم
طائعاً أمرَ الواحد الدَّيَّان

هل وَعَى الدرسَ الظالمون الطواغي
دون تأويل قبل فوتِ الأوان؟

مناسبة القصيدة

(يخطيء كثيراً من يظن أن شخصية فرعون قد انتهت وذهبت إلى مزبلة التاريخ وانتهى خبرها. بل إنها متكررة على كر الدهور وتعاقب العصور. وهي باختصار تتمثل في كل من يتجاوز حده فيستطيل على الحق ويعلو بباطله وينتفش بصولجانه وقوته ، زاعماً أنه قد أعجز الله رب العالمين. ومن هنا فليس عجباً أن يظل ذكر فرعون مع موسى عليه السلام في إحدى وثمانين سورة من سور القرآن الكريم من أصل مائة وأربعة عشر سورة. فهل كان ذلك من فراغ؟ أما فرعون فماذا حصل له في النهاية؟ أطبق الله عليه البحر ولما رأى الهلاك قال الله عنه: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ). ألا إن بشارة الله تعالى لأم موسى بشارة متكررة لأهل الحق من أن النصر موعدكم والتمكين لكم مهما طال عمر الباطل وانتفش الشر في الأرض ولا بد من أن يتحقق موعود الله تعالى الذي يقول للشيء كن فيكون. وإذا تم ذلك فليس يقبل من الفراعنة صرف ولا عدل. لأنه سيقال لهم كما قيل لأعتاهم الأول: (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين)؟ وقانا الله - بفضله ومنه وجوده ورحمته – الفرعنة وأهلها.)
© 2024 - موقع الشعر