الدعاء يغير الواقع! - أحمد علي سليمان

أخلصْ دعاءكَ ، واقصِدِ العلاما
وابذلْ دموعَك تنشُدُ استرحاما

مازال دَأبُ الصالحين دعاءَهم
ربَّ الخلائق سُجَّداً وقِياما

يَستدفعون به البلاءَ ُيحِيلهم
رَهنَ الدغاول سُربلوا كيتامى

كم في قِيام الليل طال جُؤارُهم
ويُؤَمنون يُتابعون إماما

ويُكررون دعاءَهم في حُرقةٍ
ويُضَمِّنون سياقه استرحاما

وعيونهم تهمي بدمع يَقينهم
في الله ، ثم يُحدِّدُون مُراما

ومع الدعاء لهم تجاربُ أثمرتْ
إذ حققوا الأهدافَ والآضاما

إن (ابن عمَّار) مِثالٌ رائعٌ
في الزهد حاز مكانة ومَقاما

تكفيه أربعة الدراهم مؤنة
ودعاؤه للشهم كان لِزاما

منصورُ ما خفِرَ الجوارَ غلامُه
ولِما ارتجاه استسلمَ استسلاما

هي أربعُ الدعَوات أخلصَ بذلها
فدعا بهن الواحد العلاما

أن يُعتِق المَولى العُبَيِّدَ حِسبة
فيَصيرُ حُراً في الدنا مِقداما

وبأن تعود دراهمٌ قد أنفقتْ
طوعاً ، فلم يكُ صرفها إرغاما

وبأن يتوب الله أفضلَ توبةٍ
يوماً على الحُرِّ استطابَ مُداما

وبأن يمن بعفوه ومَتابه
عفواً وتوباً يمحقُ الآثاما

جُوداً على الجمع السعيد تفضلاً
ويزيده من فضله إنعاما

وقد استجاب الله دعوة من دعا
واستُلهمتْ عَبرَ الدعا استلهاما

ودعاءُ (منصور) فغيَّرَ واقعاً
ومَقاصداً وخلائقاً ونظاما

يا قومنا ادعوا ، والمهيمنُ سامعٌ
ودُعا المهيمن ينفعُ الأناما

وإذا استجابَ الله أسعدَ من دعا
يا عبدُ أرسلْ للسماء سِهاما

مناسبة القصيدة

(يحكى أن رجلاً سِكيراً دعا أصحابه ذات يوم ، لشرب الخمور. ودفع لخادمه أربعة دراهم ليشتري بها فاكهة لجلسائه ، وأثناء سير الخادم مر بالزاهد "منصور بن عمار" فإذ بهذا الزاهد يقول: من يدفع أربعة دراهم لفقير غريب فأدعو له أربع دعوات ، فأعطاه الغلام الدراهم اﻷربعة ، فقال له منصور بن عمار: ما تريد أن أدعو لك؟ فقال الغلام: الدعوة الأولى العتق من العبودية. والثانية أن يخلف الله علي الدراهم اﻷربعة. والثالثة أن يتوب الله على سيدي من شرب الخمر. والرابعة أن يغفر الله لي ولسيدي ولك وللقوم ، فدعا له منصور بن عمار دعواته الأربع التي أراد. ورجع الخادم لسيده ، فقال له: لماذا تأخرت ، وأين الفاكهة؟ فقص عليه مقابلته لمنصور الزاهد ، وكيف أعطاه الدراهم اﻷربعة مقابل أربع دعوات ، فسكن غضب سيده ، وقال: وما كانت دعوتك اﻷولى؟ قال: سألت لنفسي العتق من العبودية. فقال السيد: قد أعتقتك ، فأنت حر لوجه الله تعالى. وما كانت دعوتك الثانية؟ فقال: أن يُخلف الله علي الدراهم اﻷربعة فقال السيد: لك أربعة آلاف درهم. قال: وما كانت دعوتك الثالثة؟ قال: أن يتوب الله عليك يا سيدي. فطأطأ السيد رأسه وبكى ، وأزاح بيديه كؤوس الخمر وكسرها ، وقال: تبت إلى الله ، ولن أعود أبداً. وقال: فما كانت دعوتك الرابعة؟ قال: أن يغفر الله له ولي ولك وللقوم قال السيد : هذا ليس لي ، وإنما هو للغفور الرحيم. فلما نام السيد تلك الليلة ، سمع هاتفاً يهتف به: أنت فعلت ما كان إليك ، أتظن أنا لا نفعل ما كان إلينا؟ لقد غفر الله لك وللغلام ولمنصور بن عمار ولكل الحاضرين.)
© 2025 - موقع الشعر