حَيَّرتني ، حتى نكِرتُ كِياني
وسَخِرتُ مِن نفسي ومِن أقراني
ورأيتُني في الناس دون مكانةٍ
ومضى زماني ، واسْتُبيحَ مكاني
ماذا وراءكَ مِن حقائقَ أخفيتْ
ووقائع غابتْ عن الأذهان؟
تُمسي وتُصبحُ في رضا وقناعةٍ
مُستعصماً بالواحد الديان
تُزري بكل عَويصةٍ بلغتْ مَدى
تذليلها ما كان في الحُسبان
وتحُلُّ مشكلة عَتَتْ
وزوالها ما كان بالإمكان
فتُحِيلها لا شيءَ كان بدعوةٍ
رُفعتْ لربِّ الناس باطمئنان
لم تُغوكَ الدنيا لتُصبحَ عبدَها
تحيا لها كبقية العُبدان
لم تُغرك الأهواءُ تصرعُ أهلها
ببريقها والزخرف الفتان
ما صَدَّكَ الأصحابُ عن درب الهُدى
مِن كلِّ مُنتفع وكلِّ جبان
ما رَدَّكَ الأهلون عمَّا ترتجي
مِن بَذلك المعروفِ دون تواني
في عقدكَ السبعين تستبقُ الخطا
وتصوغ قولاً بالغ الإتقان
ولقد تكونُ مُناظِراً مُتفطِناً
تُزجي الكلامَ بساطع البرهان
بمِنى رأيتُكَ فوق قاصية الرُّبا
تشكو إليَّ بنبرة الجَوعان
فسألتُ: هل لحماً طلبتَ مُجهزاً
في مطعم يأتي على العنوان
فأجبتَ: مِن رب الأنام طلبته
واللحمُ آتٍ رغم بُعد مكاني
فطلبتُ لحماً جيداً مِن مطعم
خدماتُه للوفد بالمَجان
ومنحتُه الرجلَ العجوزَ هدية
مُتطوِّعاً ، أرجو رضا الرحمن
والشيخ هللَ ، ثم كبَّرَ ضاحكاً
ولسانُه ما كف عن شكران
شَكرَ المليكَ على الطعام أتى له
مِن غير أتعاب ولا أثمان
وأصابَ منه ، وبعدُ أهدى مَن أتَوا
مِن سائر الحُجَّاج والضيفان
ودعا المليكَ لشايه متوسلاً
وأتاه كوبٌ ، ثم جاء الثاني
كوبٌ له وعليه من نعناعه
وأتى بثان مِثلِه أعطاني
ودعا يريدُ وسادة لتُريحه
إذ نام فوق جنادل الكُثبان
فأتى مَغاربة له بمخدةٍ
مِن بعد دعوته ببعض ثواني
ودعا يُؤمِّلُ نسمة تحنو على
جسم بساعر صَيفه الحَرَّان
فإذا النسيمُ يَعمُّنا بطراوةٍ
تُزري بأنسام على الشطآن
ودعا بمَركبةٍ تُبلغه إل
ى البيت العتيق بمَوكب الرُّكبان
فأتتْه مَركبة الحجيج تُغيثه
قد خصِّصَتْ في الحج للشِّيبان
فسألتُه: مَن أنت؟ قل لي صادقاً
فأجاب: إني عبدُ ذي السُّبحان
فسألتُه: أتُراكَ بعدُ عرفتني
وعرفت شيخاً بات مِن خلاني؟
فأجاب: كلٌ منكما مهما علا
عبدٌ لربي الخالق الرحمن
فرجوتُه أن يدعو الرحمن لي
فإذا بنصح فاضَ بالرجحان
يا صاحبي ، ادعُ المهيمنَ طامعاً
واللهُ ذو كرم وذو غفران
ارفقْ بنفسك ، وانتبهْ لنجاتها
حتى تفوز بجنة الرضوان
إني وعظتُك ، فاستجبْ لمَواعظي
واعمدْ إلى الإيمان والإحسان
فلربما أتتِ المَنيَّة بَغتة
فاحذرْ دُروبَ الغي والخسران
ولنفسك ادعُ ، ولا تكنْ مُستيئساً
مَن ذا علمت حيا بلا عِصيان؟
بالله ظنُّ الخيرَ ، وانشُدْ عَفوَهُ
وألحَّ في الدعوات باسْتيقان
لا يوجد تعليقات.