أولويات الخطب والدروس! - أحمد علي سليمان

يا خطيباً يرجو لقا الخلاق
مُستسيغاً في حُبه ما يُلاقي

لا تُجاملْ في دين ربك يوماً
إن هذا من مفردات النفاق

لا تُطوِّعْ شرعَ المليك ارتزاقاً
جنب النفسَ لعنة الرزاق

لا تُحرِّفْ آياتِ ربِّك طوعاً
تجتني بالتحريف بعضَ ارتزاق

كلُّ ما تخشى لا يُساوي التدَني
والتدَني مَطِية الإخفاق

أولوياتُ الوعظ لاحتْ لداع
صادع بالتبيين في الآفاق

مُشمَئِزاً من كل جُبن يُدَسِّي
مُعْرضاً عن تخذيل بعض الرفاق

ليس يرضى دَنِية في بلاغ
لا يَنِي في الفتيا على الإطلاق

باذلاً في التوحيد أسمى جهودٍ
لا يرى معبوداً سوى الخلاق

شارحاً أنواعَه باجتهادٍ
مُؤْثِراً آراءً سَمَتْ باتفاق

كم أبانَ التشريعَ ليس يُحابي
مُستميتاً كأنه في استباق

كم دعا للمعروف قوماً حيارى
فاستحبوا مكارمَ الأخلاق

كم تحدَّى التغريبَ يَجتاحُ داراً
سربلتْها سِهامُ الاستشراق

كم تصدَّى للكيد من كل صِنفٍ
مُمْسكاً للمصاب بالترياق

كم رمى تبديعَ العِدا بسهام
ليس فيها شيءٌ من الإشفاق

لم يكنْ مُنصاعاً لأمر الطواغي
مُستبيحاً كرامة الميثاق

مستفيضاً في أمهات القضايا
ليس يخشى ضُراً على الأرزاق

وله إسقاط بآيات ذِكْر
كي نراها دَلتْ بكل انطباق

ليس في وادٍ في سِواه البرايا
بينه والآنام عَزَّ التلاقي

ما الدروسُ إنْ لم تُعالجْ سُقوطاً
أو تُقوِّضْ آثارَ كل شِقاق؟

أو تُصَحِّحْ مسارَ قوم تردَّوا
عندما ساروا في مَهاوي الدَّمار؟

أو تُجدِّدْ ديناً يُصارعُ هجراً
مِن أناس بُلوا بشرِّ افتراق؟

أو تمُجَّ التنصيرَ يُزري بشَعب
منه خُصَّ في غفلةٍ باختناق؟

ما الفتاوَى إنْ حَرَّمتْ بعضَ حِل
واحتوتْها إرهاصة استغلاق؟

شَرعنتْ فوضى كم تروحُ وتغدو
ثم أضفتْ شرعية الإنطلاق

في دُجاها يغدو المباحُ حراماً
عندما تُفتي جَوقة الفسَّاق

أيهذا الداعي استفقْ مِن سُباتٍ
آذنتْ شمسُ الحق بالإشراق

راقبِ المولى في الخطابة ، واعلم
أنَّ كلاً فان ، ويَبقى الباقي

مناسبة القصيدة

(إنها رسالة نثرية عبر المقدمة ، ورسالة أخرى شعرية عبر القصيدة ، إلى جميع خطباء المساجد المسلمين المؤمنين الموحدين الأفاضل في بقاع الأرض! وإذن فليست الرسالة للمرتزقة خطباء المناسبات وخطباء الفتنة من الذين يُضفون الشرعية على انحرافات الجاهلية ويَمنحون الضلال قبلة الحياة بما يقولون باسم الدين! كما أن الرسالة ليست لحارقي البخور وضاربي الرمل والودع وقارعي الطبول ولاعقي الأحذية ، من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويأكلون أموال الناس بالباطل! بل للخطباء المؤمنين الموحدين الحنفاء! أقول لهم: إنه لا داعي أبداً لتكرار الحديث عن أهمية الشهر الفضيل رمضان وأنه شهر الصيام ، فالكل يعرف ذلك جيداً! فلا تكرروا على الصائمين الحديث عن مقدار زكاة الفطر وهل يجب إخراجها طعاماً أو نقداً ، بل أخبروهم أن من يصوم في بيت اغتصبه ، فما جدوى صيامه ولا زكاته؟! أخبروهم أن من يفطر بعد صيامه بمال منهوب مسلوب فما جدوى صيامه ولا زكاته؟! أخبروهم أن من عليه مظلمة من مال أو عقار أو ما شابه فعليه ردها إلى أهلها والتوبة منها قبل أن يزكي ويتصدق! وإلا فما جدوى صيامه ولا زكاته؟! أخبروهم أن من يمنع أخواتِه من الميراث ويأكل حقهن ما جدوى صيامه ولا زكاته؟! أخبروهم أن المال الحرام لا تخرج منه زكاة ولا صدقة ، فالله تعالى لن يقبلها! لأن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيباً! أخبروهم بصلة الأرحام وببر الوالدين ، أخبروهم بحقوق الجار ، وأخبروهم بحرمة المال العام وحرمة الطريق ، وأخبروهم بمسؤولياتهم تجاه أولادهم ، ومسؤوليتهم عن تصرفات هؤلاء الأولاد! أخبروهم بحرمة احتكار السلع ، أخبروهم أن الدين المعاملة ، أخبروهم أن ما بينهم وبين الله هين ، فهو سبحانه الرحيم العظيم يغفر الذنوب جميعاً ، فالله يعفو عنهم فيما هو حقه سبحانه ، ولكن مظالم العباد لا فكاك منها ولا يتسامح الله فيها إلا بالتوبة منها وشرط من شروط التوبة منها إعادة الحقوق إلى أهلها! وإلا فما جدوى صيامهم وزكاتهم؟! أخبروهم بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وأخبروهم ......وأخبروهم ....... فالقائمة تطول وتطول! أخبروهم بالأهم ثم المهم ثم الأقل أهمية ، وذلك لكي يصلح المجتمع ويهنأ الناس وتتحقق الغاية من الصيام (لعلكم تتقون)! وإذن فمسرح العرائس هذا ينبغي أن يهدم! ومبدأ (قل ولا تقل) ينبغي أن يلغى! وينبغي كذلك أن يكون هناك إسقاط للآيات وللأحاديث وللأحكام الشرعية على الواقع المعاش! وإلا فلا فائدة! من أجل هذا كانت هذه القصيدة الانتصارية في توجيه الدعوة والدعاة !)
© 2025 - موقع الشعر