إن العِرق دَسَّاس! - أحمد علي سليمان

دَسَّاسٌ العِرقُ لا إفكٌ ولا كذِبُ
ولا يُغيرُه قربى ولا نسَبُ

حقيقة أمرُها للكل مُتضحٌ
فالأمرُ يدركُه الأعجامُ والعرب

والطبعُ يَغلبُ مهما احتالَ صاحبُه
تطبُّعاً في الطوايا ما له غلب

في الأمهات وفي الجدات منجذرٌ
ولا يُغيِّرُه جاهٌ ولا حسب

فكل أنثى لها بأمها شَبهٌ
كالوشْل ناوله طِباعَه العَبب

تسعى وتفضحُها فحوى تجَمُّلها
كما تُزال عن الحقائق الحُجُب

تُبدي الطباعَ يُحَليها تجمُّلها
كما يُحَلي زيوفَ الباطل الكذب

يأتي العريسُ ديارَ القوم يحسبُها
ديارَ عِز لها الأخلاقُ مُنقلب

يرى العروسَ تُحَليها شَرافتها
والودُّ يُتحفها والعِلمُ والأدب

في ظاهر الأمر هذي الشمسُ قد طلعتْ
ودونها تُشهرُ الأسيافُ واليلب

فيُفتن الصَّبُّ ، تسبي قلبَه نُتَفٌ
من المظاهر فيها تُسْطر الخطب

ولا تراه سوى في الأسر منجدلاً
فالقلبُ منجذِبٌ ، والعقلُ مستلب

ويُنصَحُ الغِر ، لكن ليس يُعجبُه
ما النصحُ والقلبُ للميلاء منجذب؟

ويُوعظ الخِبُّ ، لكن عِشقه مَحِلٌ
ما الوعظ والعشقُ في الفؤاد ملتهب؟

يحيا على الوهم مختاراً تخبُّطه
وظاهرُ الحال فرْحُ النفس والطرب

فلا تسلْ عنه ، فالدنيا له ابتسمتْ
فرامَ زينتها ، وحبذا الطلب

فقيلَ: سَدِّدْ وقاربْ ، والتمسْ رَشَداً
فقال: إني على الرحمن أحتسب

فقِيلَ شاورْ ، وكن في الأمر مستخراً
ولا يَغرنْك فيه الهزلُ واللعب

فقال: ما لي بهذا النهي مِن أرب
حَزمتُ أمري فلا شكٌ ولا رِيَب

فقيل: يَغلبُ طبعُ الأمَّة ابنتَها
وسُنة تلك ما ضاقتْ بها الحِقب

هل اختفى عنكَ ماضي الأم يا لكعاً؟
حتى تُغالط بالأقوال تضطرب

فيها من الظلم ما لا نص يُسْعِفه
وقد تضيقُ بأخبار لها الكتب

لا شيء مما أتتْ عليكَ مختلِط
فهل قلا عقلك المستنكفَ اللبب؟

لأمها البنتُ مهما طابَ مَحْتِدُها
وكل فرع إلى الأصول ينقلب

ستندمُ الدهرَ أنْ لمَّا تكنْ حَذِراً
وذات يوم على ماضيكَ تنتحب

ولات حين مناص يا سفيهُ غداً
إذ يحتويك الشقا ، وحُمقك السبب

ويُصبحُ العيشُ سِجناً لا نعيمَ به
فقد دهاه البَلا والضيقُ والوَدَب

وما جنى أحدٌ عليك مُفتئِتاً
بل أنت وحدك للمكائد الحَطب

العِرقُ دَسَّاسُ هل أيقنت يا هُزُءاً؟
ومن جدالك هل تخزى وتنسحب؟

أعلنت حرباً على مَن لام معتذراً
وأنت فيها الهمامُ الفارسُ الضرب

واليوم ذبت أسىً ، وعُدت منهزماً
والقلبُ مِن ألم المأساة مكتئب

والشامتون لهم سعدٌ ودَندنة
وما عليهم إذا ما زغردوا عَتب

وكل وغدٍ غريم سُرَّ خاطرُه
لمَّا رآك بضيق الحال تختضب

فقد أتاه الذي يرجوه منتظراً
ودمعُ فرحته في الكرب ينسكب

دَسَّاسٌ العِرقُ ، والأحوالُ شاهدة
بين الألى هزلوا دهراً ، ومن لعبوا

قالوا: حديثٌ ضعيفٌ ما له سندٌ
ولم يُصحِّحْه مَن خطوا ومَن كتبوا

قلنا: ضعيفٌ ، وقد صَحَّتْ مقاصِدُه
فالبحثُ عن صحة الإيمان يُطلب

ومطلبٌ صِحة الأخلاق مُشترَط
وسُوءُ طبع فتاة الحيِّ يُجتنب

وذاتُ دين لها قطعاً مكانتُها
والأهلُ بعدُ فشُمٌ شادة نُجُب

ووفق الله مَن سعى لخِطبتها
أكرمْ بشُم بُنياتِ الهُدى خَطبوا

مناسبة القصيدة

(المثل القائل: (إن العرق دساس). وإن يكن حديثاً ضعيفاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ستبقى صحة المعنى مدى الدهر: (تخيروا لنطفكم ، فإن العرق دساس). ولا بد للبنت من أن تشبه أمها في خصال كثيرة أو قليلة. وكذلك الولد يأخذ من أمه بذات المقدار. إلا أن يشاء الله ربي شيئاً وتتغير القيم والمبادئ من السلوكيات والتصرفات والخلال والصفات ما الله به عليم. وأعجبني المثل الذي له مضرب وقصة مروية في كتب الأدب ، ورأيتُ مصداقيته الحقيقية في عالم الواقع الذي نعيش. وكانت القصيدة ترجمة لتأثري بالمثل الواقعي الجميل. هذا ، ويعود تاريخ هذه القصة إلى العصر الأموي ، وكانت قد وردتْ هكذا في كتب الأدب والمُلح والرقائق والنوادر بلا سند ولا ذكر أسماء لمن قاموا بها. وأوردها كما طالعتُها ، وأمِرُّها كما جاءتْ. رجل تزوج ، وفي أول يوم زواج له اجتمع حول الطعام هو وأمه وزوجته ، فقدم سهم الطعام الكبير لعروسه ، فأبدى الاهتمام الكبير لها لكونها هي العروس في أول يومها كزوجة ، وقدم لأمه شيئاً بسيطاً من الطعام وبلا اهتمام. فلاحظت العروس الزوجة ذلك ، وكانت حكيمة أصيلة ، فقالت له طلقني الآن. فتوسل لها أن تتراجع عن قرارها وقال لها: ما سبب طلبك للطلاق؟ فقالت: إن العرق دساس ، ولا أريد أن أنجب منك ولداً وأُهانُ منه كأم كهذه الإهانة التي بدرتْ منك لأمك. فعلت عكس ما تفعله معظم عرائس العصر وزوجاته. فللأسف بعض النساء عندما يفضلها زوجها على أمه تعتقد أنها انتصرت وستكون مرتاحة البال. ونسيت أنه كما تدين تدان. المهم تطلقت منه ، ورزقها الله زوجاً باراً بأمه ، ومرت السنون وأنجبت أولاداً. وفي يوم كانت راحلة على ناقة وعليها هودج ، وكان أولادها يعتنون بالهودج حتى لا تمل. وفي الطريق شاهدت قافلة تمشي ويتبعها رجلٌ كبير في السن حافيَ القدمين خلف القافلة يمشي ، لا أحد يعتني به. فقالت لأولادها ائتوني بهذا الرجل ، فإذا هو زوجها السابق. فقالت له: هل عرفتني؟ قال: لا. قالت: أنا زوجتك السابقة التي طلقتْ يوم عرسها. ألم أقل لك: إن العرق دساس. وكما تدين تدان. انظر إلى أولادي كم هم بارون بأمهم ويعتنون بها ، وانظر إلى حالك. أين أولادك يا زوجي السابق؟)
© 2025 - موقع الشعر