عزائم الأمور أولى! - أحمد علي سليمان

بربِّكَ كيف يأتي المجدُ سهلا؟
سُؤالٌ شائكٌ نصاً وشكلا

وبذلُ الجهد دَيدنُ كل حُر
يَحُوزُ بجهده عِزاً وفضلا

وليس المُطلُ مِن طبع النشامى
وليس يُطيقُ أهلُ البذل مُطلا

ويَدأبُ للعُلا أهلُ التسامي
وقد شغلوا بنيل السَّبق شُغلا

ولا يَهوَى التنافسَ غيرُ فذٍ
له طابَ العطا قولاً وفعلا

ولم يشغله حِرصٌ عن سُمُو
وفي ساح النزال يَجُرُّ خيلا

ويَزدَردُ الدغاولَ عَبقرياً
وإن لقيَ الأعاديَ ساق نصلا

وكم حَقرَ التكلفَ دون داع
وكم أدنى قراباتٍ وأهلا

وكم قلِبَ المِجَنُّ لمستريب
رأى في البذل تضييعاً وذلا

وكم خاضَ المَعامعَ دون خوفٍ
يُسربله ، فليس النصرُ سهلا

وكم نسجَ المناقب عبقريٌ
سما دِيناً ومَكرُمة وأصلا

ألا إن العزائمَ ليس تُشرى
بها عُرفَ الفتى مُذ كان طفلا

ويَفخرُ بالعزائم مَن يُضَحِّي
وتصقله الشدائدُ مُشمَعِلا

وفي التاريخ تصديقٌ لقولي
وواقعُنا على ما قلتُ دَلا

فما حاز المَكارمَ أي نذل
ويوماً ما استطاعَ لهن طولا

بنفسي قد بدأتُ فلا مَلامٌ
وما نافستُ في التنظير خِلا

فقصَّدتُ القصائدَ مُستعيناً
بربِّ الناس ، والقلمُ استُهلا

وناولتُ القريضُ كثيرَ جهدي
وبالتصحيح ضَمَّختُ السِّجِلا

وخولتُ المشاعرَ بعدُ شِعراً
يُخاطبُ ناصحاً قلباً وعقلا

وعمَّمتُ التجاربَ لم أخصصْ
لتنفعَ مَن تلا ، وتصُدُّ جهلا

وجُدتُ بما أعالِجُ مِن قضايا
وقولي كان فيما جُدتُ فصلا

وجادلتُ الخصومَ جدالَ نِدٍ
يُثيرُ جداله ليَلمَّ شَملا

وسَخرتُ اليراعَ لقول حق
يُفِيضُ كرامة ، ويُشِع نبلا

وما غازلتُ بالأشعار يوماً
سواقط أشتهي وداً ووصلا

وما تاجرتُ بالأشعار ، أرجو
وفيرَ المال ، بات الكسْبُ هزلا

وما أطريتُ فرعوناً لأحظى
بهُدنته ، وإنْ واجهتُ خذلا

وما جاملتُ بالأشعار عبداً
لمنفعةٍ ، ولا نافقتُ نذلا

وما سطرتُ في التدليس بيتاً
وما أحييتُ في التدشين حفلا

وما حَنَّ القريضُ إلى التدني
وحتى للخنا ما مال ميلا

ولم أضربْ بسهم في التدسِّي
فلستُ أحبِّذ الشعرَ المُخِلا

رأيتُ عزائمَ الأمور كنزاً
وفيها لم أكن يوماً مُقِلا

مناسبة القصيدة

(قريباً سنكون جميعاً بإذن الله مع أقاربنا وأصدقائنا تحت الأرض ، وسيكون مصيرنا الأبدي قد أصبح واضحاً جلياً أمام أعيننا. جيل يذهب ، وجيل يأتي ، وجيل ينتظر ، والبقاء لله الواحد القهار. إن وجودنا ليس سوى ومضةٍ في عمر الكون ، ستطوى وتنقضي في طرفة عين ، وسيأتي بعدنا والله أعلم عشرات الأجيال ، كل جيل يودع الدنيا على عجل ، ويسلم الراية للجيل التالي ، قبل أن يحقق ربع أحلامه ، فلنعرف إذاً حجمنا الحقيقي في هذه الدنيا ، وزمننا الحقيقي في هذا الكون ، فهو أصغر مما نتصور. وسنتمنى لو أمضينا أعمارنا كلها في عزائم الأمور في جمع الحسنات وعمل الصالحات. طالما لا زال في العمر بقية فلنعتبر ولنتغير من سوف ينجو؟ عندما ينتشر الفســاد و يجاهر بالمعاصــي وتعمّ التفاهة. يعني ذلك أننا نقترب شيئاً فشيئاً من أمر ما سوف يحصل ويحدث تغييراً جذرياً عندما يحين ذلك الوقت ، لن تنجو إلّا الفئة القليلة الصالحة التي كانت تنهى عن الفســاد في الأرض. ويرثونها وما عليها. وهذه سنّة كونية وقانون إلهي ثابت على مرّ الأزمنة و العصور. حدث ذلك في زمن نوح. "وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ". وفي زمن هود. "وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا". وفي زمن صالح. "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا". وفي زمن شعيب. "وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا". وفي زمن لوط. "فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ". وفي زمن موسى. "وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ". وفي زمن أصحاب السبت. "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ". وكذلك الحال في كل زمان ومكان. "ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤمنين". فسارع إلى حجز مقعدك على متن السفينة مع الفئة القليلة الناجية. فلم يتبق الكثير من الوقت. ومن هنا كانت عزائم الأمور لها الصدارة في حياتنا. كتبتُ هذه القصيدة أحث نفسي وغيري على الانتباه لعظائم الأمور مهما كانت النتائج بعد ذلك. ومن يجرب هذا المنهج ويسلك هذا السبيل ، فإنه يستعذب كل الذي يلقاه فيه مهما كان.)
© 2025 - موقع الشعر