الإغدرلي الحارس الأمين! - أحمد علي سليمان

للمَعالي أهلُ عزم لا مِرا
إذ بها أضحَوْا أساطينَ الورى

شمَخوا بالعِز يَبغون العُلا
وبهذا العِز باتوا في الذرى

ما لدنياهم سَعَوا أو أخلدوا
ولنيل المجد هم لاكوا الثرى

فاستحقوا سُؤدَداً يسمو بهم
حَيُّهم والمَيْتُ ساداتُ القرى

إيه يا (إغدرليْ) حيَّرْتَ العِدا
وعلى رأس العِدا إنجلترا

ولذا أطراك رهط منهمُ
وارتآك البعضُ بَدراً نيِّرا

واسأل الغربَ وسَلْ كُتابه
إنهم أثنَوْا ثناءً مُبهرا

جُلُّ أترابك طوعاً هاجروا
عندما الأتراكُ عادوا القهقرى

غيرَ خمسين استحَوْا أنْ يرحلوا
إنْ مضى جيشٌ ، فجَمْعٌ عسكرا

حرسوا (الأقصى) ، فهم أجنادُه
طارحين الشك أرضاً والمِرا

وعلى المولى جزا من عابهم
في رباطٍ كي يَغيظوا مِلنرا

ونرى (الإغدرْليْ) شهماً صادقاً
إذ حمى الأقصى فكان الخيرا

يا بني (عُثمانَ) هذا فخرُكم
وبه حُق لنا أن نفخرا

ناهز التسعين في أبهى حِمىً
لا يُضاهيهِ سوى أمِّ القرى

رفضَ الأمرَ بأن يسعى إلى
تركيا ، فالأمرُ لا لن يُكسرا

قال: أرض القدس ليست للعِدا
إن هذا القول أمسى منكرا

قال: أخشى سُؤلَ أسمى مرسَل
وعلى قلبي لئلا يُقهرا

قال: يا (إلهانُ) أخبرْ أنني
لستُ مجنوناً ، ولا قولي هُرا

بتُّ للأقصى وللمَسرى فِدا
أذكرُ التاريخ ، أحكي خيبرا

أخبرُ الدنيا بأني حارسٌ
لستُ يوماً عن جهادي مُدْبرا

ليس لي عُذرٌ ، وإنْ طال البقا
بعتُ نفسي اليومَ ، واللهُ اشترى

مناسبة القصيدة

(إنها القصة الحزينة السعيدة! قصة البطل الشهيد المجاهد: (حسن أفندي الإغدرلي) ، والذي يعتبر آخر جندي عثماني بقي يحرس المسجد الاقصى حتى وفاته! وذلك حتى عام 1982م ، حيث توفي في عمر 93 سنة! وكان قد رفض تنفيذ الأوامر بالانسحاب من القدس والعودة إلى دياره (تركيا) ، وذلك لأنه كان يرى بأن القدس فوق الأوامر! وعندما سألوه بعد عقود ، وهو ما زال كالطود شامخا لم يغادر مكان حراسته ، لماذا لم تعد؟ فأخبرهم بأنه خشي أن يحزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، على تركه حراسة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين! وأصبح حسن أفندي الإغْدِرلي (93 عاماً) ، آخر جندي عثماني غادر المسجد الأقصى ، وذلك في عام 1982م ، ليس إلى بلاده إنما إلى قبره! قابله مصادفة صحفي تركي يدعى إلهان بارداقجي ، في المسجد الأقصى يوم الجمعة من العام 1972 م ، فكتب حكايته تحت عنوان: لقد تعرفت عليه في المسجد الأقصى! وقال بارداقجي بأنه كان يتجول في القدس إلى أن وصل أمام باب المسجد الأقصى ، فرأى العريف حسن أفندي أمام الباحة الثانية! وعندما سأل عنه ، قيل له إنه مجنون ، وإنه هنا منذ سنوات ويقف كالتمثال ، لا يسأل أحداً شيئاً ، ولا ينظر إلا للمسجد ، فاقترب منه وسلم عليه باللغة التركية ، فحرك عينيه وأجاب بلغة أناضولية فصيحة: "وعليكم السلام يا بني" ، فصعق الصحفي بإجابته بهذه اللغة ، وسأله عن هويته! وكانت مفاجأة ، حيث قال العريف حسن: "حينما سقطت الدولة العثمانية ، وفي سبيل عدم حصول نهب وسلب في المدينة – القدس - ترك جيشُنا وحدة لحين دخول الجيش الإنكليزي إلى القدس ، (فمن عادة الجيوش المنتصرة أن لا تعامل مثل هذه الوحدات التابعة للجيش المنهزم معاملة الأسرى عندما تلتقي بها! بل تكرمهم وتحترم إرادتهم في الرحيل أو البقاء سالمين آمنين) ، وأصررتُ أن أكون من أفراد هذه الوحدة ، ورفضت العودة إلى بلادي ، مشيراً في التعريف بنفسه إلى أنه (العريف حسن من الفيلق الـ 20 ، اللواء الـ 36 ، الفوج الـ 8 ، آمر رهط الرشاش الـ11)! ويضيف آخر الحراس الأتراك: "بقينا في القدس خوفاً من أن يقول إخواننا في فلسطين ، أن الدولة العثمانية تخلتْ عنا ، كما أردنا أن لا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون ، وأردنا ألا يتألم سلطان الأنبياء وإمامُهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم! ولم نرض أن يستغرق العالم الإسلامي في مأتم وحزن"! ثم يتابع العريف حسن ويضيف: "ثم تعاقبت السنون الطويلة ومضت كلمح البصر ، ورفاقي كلهم ماتوا ، (وكان عددهم ثلاثة وخمسين رجلاً من الحامية العثمانية) ، ولم يستطع الأعداء أن يقضوا عليهم ، وإنما القدر والموت فقط! وذلك وفق قوانين واتفاقيات ومعاهدت منصوصة ومشهودة ومدونة! يقول الصحفي التركي ، لقد طلب مني العريف أمراً أخيراً ، وأصر عليه ، قال لي: " يا بني ، عندما تعود إلى الأناضول اذهب إلى قرية سنجق توكات ، فهناك ضابطي النقيب مصطفى ، الذي أودعني هنا حارساً على المسجد الأقصى ، ووضعه أمانة في عنقي ، فقبِّل يديه نيابة عني وقل له: سيدي الضابط ، إن العريف (حسن الإغْدِرلي) ، رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة ، الحارس في المسجد الأقصى ، ما زال قائماً على حراسته في المكان الذي تركته منذ ذلك اليوم ، ولم يترك نوبته أبداً ، وإنه لَيرجو دعواتكم المباركة! وظل العريف حسن حارساً على الأقصى تاركاً وطنه وأهله ، وفي قلبه شجاعة ووفاء وعزة لا يعرفها إلا الشرفاء ، لكن الموت الذي أخذهم واحداً تلو الآخر ، وأخذه في العام 1982 م ، ليكون آخر حراس الأقصى العثمانيين! وفيه وعنه كان النص!)
© 2025 - موقع الشعر