الالتزام الصوري! - أحمد علي سليمان

اصدُقْ ، ولا تكُ كاذباً أفاكا
وهل الفِرى تخفى على مولاكا؟

يَخفى علينا الأمرُ رغم ظهوره
قطعاً ، ويَعلمُه الذي سَوَّاكا

مازلت تخدعُنا ، وتطعنُ وَعْيَنا
ويراك بعضُ الساذجين مَلاكا

مازلت تفرشُ في الدروب أزاهراً
وتبيتُ تزرعُ خلفها الأشواكا

وتظلُّ تظلمُ لا ترُدُّك خشية
واللهُ ربُّ الناس قد أملاكا

أين التزامُك بالنصوص تلوتها
ومُرادُها أدركته إدراكا؟

أين الأحاديثُ التي صحَّحتها
وكتبتها حتى اشْتكتْ يُمناكا؟

أين المبادئُ عِشت تنشُرُ نورَها
بين الأنام ، تحُثُّ مَن يَلقاكا؟

ومكارمُ الأخلاق منك تفلتتْ
مثلَ الأنامل عافتِ المِحراكا؟

والصدقُ والقيمُ الأصيلة فارقتْ
والغي مِن بعد الرشاد طواكا

الدينُ توحيدٌ ، وثَم عقيدة
ومُعاملاتٌ لازمتْ تقواكا

الدينُ كلٌ لا يُجَزأ بالهوى
وهل الفلاحُ بأن تُطيعَ هواكا؟

وغرقت في جُب الكبائر طائعاً
ورفاقُ دربك يَنصبون شِباكا

وقطعت أرحاماً حرامٌ قطعُها
رُحماك بالأهل اشتكوا ، رُحماكا

وكذبت في التبرير دون تحفظٍ
واللهُ ليس يُوفقُ الأفاكا

وحَذقت زخرفة النميمة عابثاً
والغيبة الرَّعناءُ بعضُ صُواكا

وأكلت حق الناس دون مُسَوِّغ
فعساك تُرجعُ ما أكلت عساكا

وتركت حظك مِن صلاةٍ أقِتتْ
وهجرت قرآناً فطمَّ بَلاكا

وتركت أوراداً تعَينَ ذِكرها
يا صاحبَ الأوراد عطرْ فاكا

وغدا التسيُّبُ مبدأ أو مظهراً
وغدا ضياعُ الوقت بعضَ هُداكا

وشُغِلت باللهو المباح وضده
مَن يا ترى يا ضائعاً ألهاكا؟

وأخذت بالعشق الحرام ودربه
عافاك ربك منهما عافاكا

وسهرت ليلك في المعاصي باحثاً
عن كل سُوءٍ تشتهي عيناكا

وزهدت في العلم الصحيح زهادة
فمن الذي بالزهد فيه دهاكا؟

وركنت للدنيا رُكونَ مُتيَّم
وعبادة الدنيا غدَتْ عُقباكا

وغفلت غفلتك التي أشربْتها
والمستحيلُ رأيته مَنجاكا

وغدا استماعُك للأغاني دَيدناً
وعن النصائح سُكِّرتْ أذناكا

والجاهلية أنشَبَتْ أظفارَها
في جسم غِر تائهٍ يتباكى

والفاسقون اليوم هم جُلساؤه
يُهدون جلسته شقاً وهلاكا

الصالحُ المهديُّ أصبحَ فاسداً
يَهوى الضياعَ ، ويَسرق الأملاكا

إن التزامَك لم تشُبْه حقيقة
وغدا التقاة الصالحون عِداكا

وكرهت أهل الخير كُره مُخاصِم
ومَقتت مِن أترابك النساكا

أدركْ حياتك ، إن دونك فرصة
صَحِّحْ مَسارَك ، ثم خُضْ مَسعاكا

والتوبُ أولى مِن مَصير مُهلكٍ
حاشاك ترفضُ دَعوتي حاشاكا

أقصرْ فإن العمرَ وَلى نِصفه
أتُراك تعلمُ مِن رَداك فَكاكا؟

الموتُ آتٍ لا ارتيابَ ولا مِرا
وتزولُ عنك بزهوها نُعماكا

وتكونُ في قبر دَجِيٍّ مُوحش
تبقى وحيداً ، ليس فيه سِواكا

فاعملْ لهذا اليوم جهدَك ، واسْتقمْ
وارجعْ بلا مُطل إلى مَولاكا

فعساك تُدركُ يا مُفرِّط عَفوه
وتكون جَنة عَدْنه مَأواكا

مناسبة القصيدة

(إن مصطلح الالتزام ليس أصيلاً لا في ديننا ولا في لغتنا! بل هو اصطلاحٌ معاصرٌ جاء ليُميز الذين يُطبقون الإسلام واقعاً عملياً في حياتهم ، والذين لا يُطبقونه في حياتهم! والحقيقة أن بعض المسلمين المعاصرين راحوا يرون التدين مظاهر فقط وليس جواهر! فمتى أطلق الرجل لحيته وقصر ثوبه ، واستاك واصطحب مصحفه في جيبه ، وصلى خمسه وأدى زكاته ، وصام شهره وحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلاً! ومتى انتقبت المرأة ولبستْ عباءتها السابغة السوداء الفضفاضة وصلتْ خمسها وأدتْ زكاتها وصامت شهرها وأطاعت زوجها! ظن كلٌ منهما أنه قام بواجبات الإسلام وفرائضه وسننه ونوافله! فبعض المستقيمين والملتزمين بالإسلام تحكمُهم الرؤية الظاهريَّة المباشرة ؛ فيرون الالتزام بالدين قاصراً على بعض المظاهر الطيبة والجيدة ، ويرون - وقد يكون ذلك شعوراً لا نطقاً - أنَّ الرجل إذا استكملها فقد استكمل الالتزام! إنَّ ديننا الإسلامي وضَّح مفهوم الالتزام والاستقامة على الدين ؛ حتَّى لا يكون الالتزام التزاماً أجوف ، أو تديناً مغشوشاً ؛ فالالتزام مفهوم واسع وشامل ، إنَّه لا يقصر الالتزام على مجرد إطلاق اللحية - وهو واجب - ولا يقصر الدين على تحريم إسبال الثياب ، وهو محرَّم. نعم ؛ إنَّ من الالتزام إطلاق اللحية ، وعدم إسبال الثياب للرجال ، وتغطية جميع جسم المرأة ؛ ووجهها من باب أولى - كما هو قول جمع من الفقهاء - والامتناع عن الدخان وتحريمه. بيد أنَّ تعليق الالتزام والاستقامة على الدين بهذه المظاهر فقط ، وجعلها علامة فارقة بين الملتزمين وغيرهم - هو خطأ جسيم. إنني أندد بالالتزام الصوري الأجوف العقيم وأجعله وعدم الالتزام صِنواناً لعملة واحدة! فإما التزام على منهج الله تعالى قلباً وقالباً ، مظهراً وجوهراً! وإما التزام على منهج كوتاريللي! أما الجمع بين المنهجين فيستحيل! ذلك أن طبيعة كل من المنهجين متفاوتة مختلفة عن طبيعة الآخر! فلنطبق من دين الله تعالى في حياتنا كل الذي استطعناه! حتى يعذرنا الله تعالى في عدم تطبيق ما لم نستطعه! لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها! وحاش لله أن يكلف عباده ما لا يطيقون ، ثم يحاسبهم بعدُ على الذي لا يطيقون تطبيقه!)
© 2025 - موقع الشعر