الفدائي البورسعيدي الصغير! - أحمد علي سليمان

بامتياز حَققت أسمى جهادِ
واستميت في ساح الاستشهادِ

لم يُخفكَ الأعداءُ شادوا خِياماً
والأيادي استقوتْ بكل زِناد

لم يَرُعْكَ كيدٌ يَروحُ ويَغدو
جُندُه للأبطال بالمِرصاد

ما اعتراكَ التهديدُ يوماً بسُوءٍ
إنما العزمُ في سُويدا الفؤاد

يا(نبيلُ) توجت ذِكراك تاجاً
في سماء الآمال والأمجاد

مُذ رحلت سبعون عاماً تقضتْ
والشهيدُ أحبابُه في ازدياد

إن هذا الشموخ ليس يُبارى
قصة لم تحتجْ إلى الإسناد

والدروسُ في سردها ليس تُحصى
والعِظاتُ تسمو بأهل الرشاد

سَلْ فلولَ الأعجام ذاقوا الرزايا
ساقهن شبلٌ من الأولاد

والجحيمُ المَنثورُ يُصْلِي خِياماً
ثم يُصْلِي كتائبَ الأفراد

أصبحَ الكل في دقائقَ صرعى
حيثُ شبَّ السعيرُ في الأجناد

ثم أضحتْ معسكراتُ الأعادي
بعد ساعاتٍ حِفنة من رماد

قِيلَ مَن أودى بالجنود انتقاماً
ذاك وغدٌ من زُمرة الأوغاد

خرج الجَمعُ يبحثون سِراعاً
ناظرين في كل نجدٍ ووادي

والعيونُ ارتأتْ (نبيلاً) وحيداً
يعبرُ السلكَ في رُبا الأطواد

فارتأوهُ صيداً ثميناً لديهم
كالغزال في قبضة الآساد

أمطروا الرأسَ بالرصاص اعتباطاً
والرصاص وافى على مِيعاد

عشراتٌ على صبي صغير
جرَّعَ الصرعى من كؤوس جهاد

ثم سالتْ على الرِّمال دِماءٌ
للأباة الأحرار ذِي خيرُ زاد

يا(ابنَ منصور) كنت مِشْعلَ نور
ذاك موتٌ أفضى إلى المِيلاد

بورسعيدُ لن تُنكرَ الخيرَ قطعاً
بين كل البقاع أسمى بلاد

ربِّ فارحمْ هذا الفتى يا إلهي
وارضَ عنه يا ربَّ كل العباد

مناسبة القصيدة

(الطفل البورسعيدى الشهيد البطل المجاهد / نبيل منصور السيد فودة ، طالب في الصف الثالث الإبتدائي ، كان قد أحرق معسكرات الإنجليز المعتدين في الخمسينات من القرن المنصرم! إنها قصة تضحية وفداء من أجل الوطن ، بطلها غلامٌ صغير السن ، رأى ما يفعله جنود الاحتلال الإنجليزي في بلده وأهلها ، فلم يحتمل وأحال حياتهم جحيماً! وتبدأ قصته من بعد إلغاء رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا لمعاهدة 1936م في 8 أكتوبر 1951م ، حيث زادت العمليات الفدائية في منطقة القناة: (السويس وبورسعيد والإسماعيلية) وزاد قتل الإنجليز للفدائيين الأبطال ، حتى جاء يوم 16 أكتوبر 1951م! يومها خرج الطفل الصغير / نبيل منصور - الطالب في الصف الثالث الإبتدائي ، ذو الأحد عشر عاماً - من منزله الموجود بشارع محمد علي "ببورسعيد" بالبيجامة! ولكنه لم يخرج ليلعب مثل من هم في سِنه ، بل ذهب إلى محطة السكك الحديدية ، وأخذ من هناك قطعة كبيرة من القماش المغموس في الكيروسين ، وقطعها قطعا صغيرة واتجه ناحية معسكر الجولف (أحد معسكرات الإنجليز) ، ولأنه طفلٌ صغيرٌ لم يُثر أيَّ شكوكٍ ناحيته! دخل نبيل الصغير المعسكر من خلال الأسلاك الشائكة ومعه قطعُ القماش التي غمسها في الكيروسين ، وجعل منها كرات صغيرة ، وأخذ يشعلها ويقذفها على خيام الجنود الإنجليز النائمين بالمعسكر ، وهو يجرى بجسده الصغير كالعصفور الطائر بين الخيام ، متنقلاً من خيمةٍ لأخرى في سرعةٍ كبيرةٍ ينشر النيران في الخيام ويوزع الفزع بين جنود الاحتلال الغاشم ، حيث حوَّلَ معسكرَهم إلى ما يُشبه الجحيم ، وعندما نفدت منه قطع القماش خلع (جاكيت البيجامة) بسرعة ، ومزقه وصنع منه كرياتٍ أشعل فيها النيران بعد أن غمسها في الكيروسين ، وقذف بها الخيام فأحرقها ، وانتشر الذعر والرعب والهلع بين الجنود الإنجليز الذين خرجوا من خيامهم مذعورين ، يبحثون عن الذين حوَّلوا معسكرهم إلى ما يشبه الجحيم ، وحين شاهدوا الطفل الصغير نبيل منصور يجرى بين الخيام محاولاً الهرب ، وقد اشتبكت ملابسه بالأسلاك الشائكة أطلقوا عليه وابلاً من الرصاص وأسقطوه شهيداً ، وقد تحطمت رأسه من شدة وكثرة طلقات الرصاص التي أطلقها عليه الجنود الإنجليز! وفي نفس اليوم وقبل استشهاد الفدائي الصغير نبيل منصور السيد فودة ، استشهد أربعة من الفدائيين ، وتم دفنهم جميعاً ومعهم الفتى الفدائي الصغير نبيل منصور في مقبرةٍ واحدة! وكان يوم دفنهم يوماً مشهوداً في بورسعيد الباسلة! وتم تخليدُ اسم الطفل الفدائي الشهيد نبيل منصور بإطلاق اسمه على عددٍ من المدارس ورياض الأطفال ببورسعيد ، وتم تدريس قصته لطلبة المدارس ، وتقديمه لهم كقدوةٍ طيبةٍ في التضحية والفداء من أجل الوطن ، ولكن للأسف تم حذف هذه القصة من المناهج! وكأن تدريس قصة هذا الغلام للطلبة شيئٌ يجب التخلص منه ، وكأن التضحية من أجل الوطن ذنبٌ يجب التخلص منه! أما المدارس ورياض الأطفال التي سميت باسمه فلا تزال تحمل اسمه ، فهل ستتغير هي الأخرى يوماً؟! رحم الله الفدائي الصغير نبيل منصور ورحم كل الشهداء والفدائيين الأبطال ، وغفر الله لهم ، وأسكنهم فسيح جناته! فمن أجل تضحية هذا الفدائي الصغير ، كانت هذه القصيدة الفخرية المتواضعة!)
© 2025 - موقع الشعر