أنت غالية وطلبك رخيص! - أحمد علي سليمان

ثمَّنتُ الدَّعوة والقُبلة
ودرسْتُ تعاليمَ المِلة

وشَرِقتُ بخجل يَقتلني
ومَقتُّ فِعالي المُنحلة

وحَقَرتُ ثِياباً ضِقتُ بها
جعلتْني في الشارع مُثلة

وانصعتُ لأمركِ في شَغفٍ
وبلا تأجيل أو مُهلة

يا (أم معاذٍ) قمْتِ بما
تفرضُهُ العِشرة والخُلة

ونصحْتِ الغافلة الحَمقا
صاحبة الذات المُختلة

وبَذلتِ الوَعظ بلا وجل
فأزاحَ الخيبة والغفلة

ورفيقاتي قلنَ كثيراً
فالقولة تتْبعُها قولة

وذكرْن أحاديثاً شتى
مِن كُتب السُّنة مُسْتلة

وأخذن مواقفَ تُحرجُني
وقرارتي لم تكُ سهلة

وحملن عليَّ فما اعتبرتْ
نفسي مِن تشديد الحَملة

فسُمَيَّة ساقتْ حُجَّتها
وتلتْها بالحُسنى عَبلة

ورُقيَّة درسَتْ أسئلتي
وأجابتْني عنها نهلة

وسخِرتُ بفتوى عائشةٍ
وامْتعضَتْ نفسي مِن خَولة

وجُوَيريَّة أهدَتْ كُتباً
وبأشرطةٍ جادتْ رَملة

وخديجة وعظتْ قائلة
اتبعي الحق أيا نظلة

وأنا في غيِّي سادرة
ما المرءُ إذا جافى عقله؟

غلبتُ هوايَ بلا رَشَدٍ
وعَصَيتُ تباشيرَ الشِّلة

وتبِعتُ (المَوضة) قانعة
بالمَيلة مِن بعد المَيلة

إنْ سِرتُ فمِكياجي سَمْتٌ
والنعلُ له لونُ الحُلة

والثوبُ قصيرٌ وبَهيجٌ
ويُناسِبُ ألوانَ الخِملة

والكعبُ العالي يُتحِفني
ويُضاهي إيقاعَ الطبلة

والشعرُ فأسودُ مُنسدلٌ
تعلوه بصِبغته شُهلة

وسَبيتْ الأنظار بحُسني
كعروس في يوم الدُّخلة

وعلى قلبي التقوى ثقلتْ
أوَلستُ مُكلفة عَدلة؟

مَن نظرَ إليَّ يُصَنفني
ليستْ ذي مِن أهل القِبلة

ما المرأة إنْ هزلتْ وطغتْ
وحَيَتْ بالنفس المُعتلة؟

وارتضتِ الباطلَ مدرسة
وسَعَتْ في أشقى رِحلة

وانتهجَتْ نهجَ مَن انحرفوا
ما السببُ؟ أجيبوا ما العِلة؟

واختارتْ درباً يَسحَقها
لتكونَ لها مَعهُ جَولة

وأبتْ إلا أنْ تتردَّى
لحضيض الغفوة والعُزلة

حتى جاءتْ أمُّ مُعاذٍ
وعلى الكَفِّ تجُودُ بقُبلة

ما أعظمَها مِن دَاعيةٍ
مُؤمنةٍ واعيةٍ نبلة

قالت لي: إنكِ غالية
والطلبُ رَخيصٌ يا نظلة

وفقكِ المَولى سَيدتي
نِعمَ الردُّ ، ونِعمَ الجُملة

ما استويا نَزَقٌ ورَشادٌ
هل حَلتيتٌ ك (النوتِلة)؟

هل تشجيعٌ نزقٌ كاستفزاز
هل حَنظلة مِثلُ الفلة؟

خِلتُكِ ستَضيقين بطلبي
وتَصُبين عليَّ الدَّلة

طلبي للقُبلة تعجيزٌ
أنا ما أضمَرْتُ لكِ الذلة

لكنْ حِلمُكِ عالجَ بَطري
وطوَى الكِبْرَ ، وغفرَ الزلة

فارزقْ ربي أمَّ مُعاذٍ
وانقلها لغِناها نقلة

وأثِبْها أنْ جبرَتْ كَسْري
وأفاقتْ قلبي من غفلة

واغفرْ لي ولها ، وارحمْنا
واجعلنا مِن أهل القِبلة

مناسبة القصيدة

(أم معاذ امرأة فقيرة مسكينة من عوام المسلمات! وكانت قد فتحتْ بُوتيكاً صغيراً في بيتها ، وذلك بعد وفاة زوجها! فراحتْ تبيعُ المساويك والإكسسوارات النسائية الشرعية من العباءات والقفازات والأنقبة والطرح والمناديل والكوفيات والعطور والكريمات! واعتادت البنات والنساء على الشراء منها وتشجيعها ليُحققن بذلك ثلاثة أهداف: (الأول: الحصول على البضاعة الجيدة الممتازة التي لا غش فيها ، والثاني: إعانة المرأة الأرملة المعيلة أم الأيتام على ظروف الحياة القاسية ، والثالث: الاستفادة من فروق الأسعار الكبيرة بين بوتيك أم معاذ المتواضع والمحلات الكبيرة الأخرى في المدينة)! وذات يوم أتتْ شِلة من الأخوات الحشيمات المحترمات ومعهن أخت متبرجة ليشترين من أم معاذ كعادتهن! فقالت أم معاذ للأخت المتبرجة وقد آنستْ فيها رُشداً وحِكمة وسَخاءً: ألا تُفكرين في أن تكوني واحدة منهن في عِلمهن وفِقههن وحِجابهن وتستُرهن وطِيبتهن؟! ألا تُفكرين يوماً أن تكوني مثلَ صُويحباتك العفيفات هؤلاء: (سُمية وعَبلة ورُقية ونهلة وخديجة وعائشة وخولة وجُويرية ورَملة)؟! فاستهجنتِ المتبرجة (نظلة) لهجتها واستغربتْ طلبها ، ونفخها البطر ، وصدها الكِبر ، وقالت في صلفٍ وغرور: لا! أبداً! وزادتْ حَباتِ الطين بلة بقولها: كان غيرُك أشطر! لقد حاولتْ صويحباتي بالنصيحة وبالوعظ وبالكتاب وبالشريط وبالمحاضرة وبالدعوة وبالابتهال ، فما أفلحت واحدة منهن في إقناعي بذلك! فعقبت أم معاذ: ولماذا؟ فقالت: وما شأنك أيتها المتطفلة الجريئة؟! فتحملتْها أم معاذ وألحتْ في طلبها مرغبة إياها قائلة: صدقيني شكلك سيكون أحلى بكثير في الحِشمة والحِجاب ، فجَرِّبي وانظري آراء الناس والأهل والصويحبات! فقالت لها: فقط أنتِ تريدين أنت تزيدي عَميلاتِك واحدة! فقالت أم معاذ وقد أحسَّتْ أن الحوار سيأخذ منحَىً آخر: ماذا أفعل لك لتتحشمي وتتحجبي؟! فقالت نظلة: إنْ قبَّلتِ يدي أعدِك بهذا! وكانت تظن أن كبرياء أم معاذ لن يسمح لها بمثل هذا! ولكنها خيبتْ هذا الظن ، وقبلتْ يدها وهي تقول لها: (يا نظلة أنت غالية وطلبك رخيص)! تقول نظلة: فاستحيت من نفسي ، وقبلتُ رأس أم معاذ فقد شعرتُ أنني أهنتُها ونلتُ منها! لقد أزاحتْ قبلتها القتام والسواد والران عن قلبي وبصيرتي! وعلى إثرها رجعت خطواتٍ للخلف ، وعَكفتُ على كتب التوحيد والفقه ، ودرستُ أدلة الحجاب والنقاب ، وأصبحتُ في فترةٍ وجيزةٍ أعلم وأفقه مجموعتي! من أجل ذلك كانت هذه القصيدة التي أنشدها حكاية عن جاهلية ومتبرجة الأمس وموحدة ومنتقبة اليوم (نظلة)! وكنتْ قد استعرتُ عنوانها من كلمة (أم معاذ): أنت غالية وطلبك رخيص! وكتبتُ على البحر المتدارك!)
© 2025 - موقع الشعر