جُمانة الشعر إني الآن أعتذرُ
عن التجاوز لمّا خانني النظرُ
والله يشهدُ أني لستُ أقصدها
وقد بذلتُ يميناً شافها البَشَر
وكلنا كلنا قطعاً ذوو خطأٍ
والذنبُ عند مليك الناس مغتفر
أردتُ نصحاً ، ولم أحسِبْ عواقبه
وبالجهالة حَلّ الضيقُ والضرر
وما أردتُ بكِ التشهيرَ أذهبَ ما
أنا - من النصح والتعديل - أنتظر
ونِيتي مِن فِعالي اللهُ يعلمها
وعنده الفعلُ مَرصودٌ ومُستطر
ولا أراني بما أتيتُ في ملأٍ
مِن الذين بوحي الخالق اعتبروا
إذ لا أعرّضُ بالأقوال أكتبُها
حتى يُقال: بعلم الشعر يأتزر
ولا أنافق بالأشعار مُبتغياً
نوالَ زيدٍ كما يُنافقُ الغجر
ولا أطوّعُ أشعاري لمن رغبوا
ولا لمن طلبوا ، ولا لمن أمروا
ولا لمن دفعوا الأموالَ تسحرني
مثلَ الذين بحب المال قد سُحروا
جُمانة الخير هذا النص أنظِمه
يَزينه اللفظ والإيقاعُ والسَمَر
يزينه بحرُنا (البسيط) مُكْتملاً
على (البسيط) تغنى الوِرد والزهَر
تَزينه دُرَرُ اعتذار صاحبهِ
إنْ شرفتْني لدى (جُمانةَ) الدُرَر
يَزينه الصدقُ والإخلاصُ في زمن
يُزاحمُ الصدقَ فيه الكِذبُ والبَطر
تزينه لهجة تبدو براءتُها
وفي تميّزها مناقبٌ أخر
ناصحتُ في ملأٍ ، ولا أكررها
وهل بنصح كهذا الشهمُ يفتخر؟
فيا (جُمانة) رقي في مُعاملتي
وأحسني للذي أتاكِ يعتذر
قولي: جعلتُك في حِل ، فذا طلبي
إني - إلى ردك الميمون - منتظر
قولي: قبلتُك لي أخاً يُؤازرُني
أخاً هو السمعُ في الأشعار والبصر
قولي: عفوتُ ، وأجرُ العفو أنشده
مِن الذي عنده الأجورُ تُدخر
وما استوى مُخطئٌ بمن تُسامحه
لا يستوي الذنبُ في الميزان والأجُر
شتان بين جُمان اللؤلؤ انبلجتْ
أنوارُه وسِناجٌ لونه كدِر
طالعتُ شِعركِ في شوق وفي شغفٍ
لكل معنىً وراء اللفظ يَستتر
وكم تعمقتُ في الأفكار يحملها
نص القصيدة فيه الوشْيُ والحِبَر
وكم تفرستُ في الإيحاء فاجأني
بمَعْلم زبدَ البيان يَحتكر
وكم أخِذتُ بما صورتُ مِن مِحن
كأنما جرّها المَغول والتتر
وكم سلكتُ دروباً لست آلفها
وما بها عُجَرٌ ، كلا ، ولا بُجَر
وكم تمعنتُ في التركيب جئتِ به
مُزركشاً غارَ منه الوَردُ والزهَر
وكم تأملتُ فيما قلتِ مِن حِكَم
فيها التباشيرُ والدروسُ والنذر
وكم تأثرتُ بالموادّ قد حُجبتْ
يهمي لها الدمعُ مِن عيني وينحدر
وكم تباكيتُ لمّا القلبُ نازعني
كأنه – رغم ما أوْدعتِهِ – حجر
وكم تألمتُ مِن أخبار مَن كُتبتْ
عنه القصائدُ ، إذ به العِدا مكروا
وكم شردتُ بأحلامي وأخيلتي
لِمَا رسمتِ من الآمال تبتشر
وكم تمتعتُ بالأشعار ما هزلتْ
وما حوى متنُها لؤمٌ ولا دَبَر
ولم تصفْ مِن جمال الغِيد خردلة
كما يُصورُه الشُعَرا الألى فجروا
ولم تُيَمم إلى الإسفاف خاطرها
بوصف قدٍ به العيونُ تستعر
ولم تصفْ أبداً شهدَ الرضاب به
كان الشبابُ لحسن الوصف قد سكروا
لم ينشغل شِعرُها بفن ساقطةٍ
كي لا تراه مدى الأيام يُحتقر
تُخيفها إن أتتْ سُوآى قيامتُها
وليس ينفعها إعجابُ من بُهروا
جُمانة العُرْب زيدينا ، القريضُ بكى
بُعدَ الشواعر مَن بهن يَزدهر
فالساحة امتلأتْ بالمفلسات ، فلا
شعرٌ به أنفسُ القراء تدّكر
غداً (تميمٌ) تُلاقي الله خالقها
وشِعرُكِ الغض لا تُودي به الغِيَر
فشرّفيها بما كتبتِ مِن زبَدٍ
نفيسةٍ لم تكن في الشعر تنحصر
بل الرواياتُ تُشجينا وتُتْحفنا
وفي السياقات كم نشدو ونفتكر
مستضعفونا بما كتبتِهِ سعدوا
والمنصفون لِمَا سطرتِهِ شكروا
فللروهنجي بما نقشتِهِ مَرَحٌ
لأن شِعركِ للضعاف ينتصر
نذرتِ شعركِ للأقصى متاجرة
مع المليك ، فطاب البيعُ والوَطر
وهل يخيبُ قريضٌ كان صاحبُه
به مع الله رب الناس يتجر؟
جُمانة الحق قالوها مدوية
وكل كسْر بما تحويه ينجبر
العِلم بين ذوي علومهم رَحِمٌ
والشِعرُ عِلمٌ له ساداته البُدُر
وبيننا الشعرُ هيا غربلي ، وثِقي
أني إذا ذِعتِ أخطائي فذي بُشُر
تعقبي كل ما سجلتُ من غلطٍ
وأخبريني ، ولا يصدكِ الحذر
لا فض فوكِ بما عيوننا قرأتْ
من شِعر طيبةٍ في شِعرها البُشُر
ولا أزكيكِ يا أخت القريض على
ربي ، كقوم إلهَ الناس ما قدَروا
وسلّمَ الله يُمناكِ التي كتبتْ
أحلى الروايات فيها العز والظفر
وحقق الله ما ترجين من أمل
إن المليك على ما شئتِ مقتدر