برقية سليمانية (عرس عبد الله) - أحمد علي سليمان

ابني الحبيبَ قريضُ العُرب يبتهلُ
ونبضُ بهجته يلهو ويعتملُ

وللقوافي ترانيمُ مُنغمة
يَزينها الحبكُ والترجيعُ والرتل

والوزنُ يمنحُها جَرْساً تتيهُ به
بين النصوص ، سَما بوقعها الزجَل

ما الشعر إن لم يكن وزنٌ وقافية
مِثل الذي خطه ساداتنا الأوَل؟

ما الشعر إن لم يقدّم فكرة ورؤىً
قِوامُها النصحُ والإرشادُ والمُثل؟

ما الشعر إن لم يوافِق شِرعة وهُدىً
هما الحياة لمن يتلو ويمتثل؟

ما الشعر إن لم يكن يدعو لمكرُمةٍ
بالدين والخلق الرفيع تتصل؟

ما الشعر إن عاب تشريعاً ندينُ به
ونال مِن شأن مَن وفق التقى عملوا؟

ما الشعر إن روّج العصيانَ في وضَح
وحط من شأن قوم بالهُدى احتفلوا؟

ما الشعرُ إن أضحتِ السوآى بضاعته
وللفجور دعا ، شأن الألى سفلوا؟

ابني أتيتك من (عجمان) مُبتشراً
يقودُني - للذي تقيمُه - أمل

في حفلةٍ طهرتْ مما يُدنسها
ومَحفل ضمّ - مَن بالطاعة - اشتغلوا

فلا فسوقٌ ، ولا رقصٌ ، ولا نزقٌ
هل يستسيغ الهوى والفحش مَن عقلوا؟

هل يستسيغ الخنا إلا مَن انحدروا؟
ويعلمُ الله ما قالوا وما فعلوا

ولا مُجونٌ ولا سُخفٌ ولا عَبثٌ
يهوى مظاهره قومٌ قد اختبلوا

ولا أغاني هوىً تُزري بسامعها
هي النشاذ بدا ، واللفظ مبتذل

ولا اختلاط به الدنيا تُعيّرُنا
عُقبى اختلاط البرايا الطين والوحَل

فاز الغيورون إذ صانوا حرائمهم
عن العيون ، فلم ينظر لها الهمَل

حفلٌ بهيجٌ له سِيما تُجمّله
طابَ الحضورُ وطابَ الشربُ والأكُل

وللضيوف مقاديرٌ علتْ شرفاً
من كل فذٍ به كم يُضرَبُ المَثل

تجشّموا مُؤنة الحضور باهظة
وفي الحضور لهم - في حفلنا - ثِقل

إني لأشكر مَن غابوا ومَن حضروا
ومَن عن الحفل والدنيا همُ رحلوا

شكراً جزيلاً لهم ، واللهُ يأجرُهم
وفاز سعيهمُ والجهدُ والعمل

ويرحمُ الله مَن إلى الفنا سبقوا
لو أنهم بيننا ذا الحفلً ما اعتزلوا

وهم لنا فرَط ، وكلنا تبعٌ
ونحن يوماً عن الدنيا سننتقل

ومَن أرادوا لنا في العُرس مَعصية
فأحسنوا عندما أعيتهم الحِيَل

إذ فاصلونا بلا إذن ولا عِدةٍ
ونحن منهم إلى الرحمن نبتهل

أنْ لا يعينوا على إثم أقاربهم
إذ يَحرمُ المرءَ تقوى الخالق الزلل

وهل نلام إذا عِبنا طريقتهم
تلك التي انتكستْ ، وشابها الخلل؟

الحق نحن ، وقد سُقنا أدلتنا
بَذلتُ زبدتها دوماً لمن سألوا

وردّدوها ، وساقوها مفندة
ونقحوها تِباعاً عندما سُئلوا

وعُرسنا شاهدٌ على استقامتنا
لا نلتقي أبداً والجوقة السفل

ضيوفنا استلهموا مِن حفلنا عِبَراً
وبارِكوا ، واعذروا قوماً إذا عذلوا

ونفذوا ما أصبنا فيه مِن أسس
في عالم كثرتْ في دربه السبل

نحن الذين دعوناكم لنجدتنا
فسامحونا إذا لمّا يَطِبْ نزل

أمسى بكم جَمعُنا مُستبشراً غرداً
هشتْ أيامِننا ، والقلبُ ، والشُمُل

طِبتم ، وطاب بكم مَمشىً ومُرتفقٌ
والأجرُ - عند مليك الناس - مُكتمل

آلُ (السلامة) بُشراكم بفارسنا
مَن جاءكم مسلماً عفاً له أمَل

يرجو جواركمُ في الفوز بابنتكم
زوجاً بها مِن حِمى العُزاب ينتقل

فناولوهُ مِن الإحسان أصدقه
وإن يكن خطأ يا أهلُ فاحتملوا

ونحن (ألُ سليمان) يُشرِّفنا
هذا الزواجُ ، ونحذو حَذو مَن غنِموا

تا الله ما السعدُ في الأموال نجمعُها
ولا السعادة تأتينا بها (الفِلل)

ولا السعادة في الأثاث مُودعة
وليس تأتي بها العقودُ والدبلَ

ولا تُصدّرها (النيسانُ) نركبُها
كلا ولا (الجيمس) نملكُها ولا (الأبِل)

إن السعادة في تطبيق شِرعتنا
فإنْ فعلنا فلا ضنكٌ ولا غِيَل

وإن تكن دارنا كوخاً نقرّ به
وما له دُبُرٌ بادٍ ولا قبُل

وحوله أكمٌ تاه القضيضُ بها
إذ غيّبتْ جُلها السهولُ والأمُل

فيه الطعامُ لقيماتٌ نسدّ بها
جوعاً ، ويَعقبه في كوخنا الدقل

والماءُ مِن واحةٍ بالدلو نجلبُه
ويحتويه دِلاءُ الكوخ والقلل

خيرٌ مِن العيش في سُوآى ومعصيةٍ
تعافه البُهمُ والأنعامُ والأيُل

قد اشترى المالُ مَطعوماً نلذ به
هل اشترى شبعاً يوماً لمن طعِموا؟

قد اشترى المالُ في ديارنا سُرُراً
لكنه ما اشترى نوماً لمن أمِلوا

آل (السلامة) مسّاكم وصبّحكم
مستقبلٌ غردٌ أكسيرُه الأمل

أنتم لنا الأهلُ والأنسابُ في زمن
علائقُ الناس فيها الجوْرُ يشتعل

ونحن أهلٌ لكم ، دامت قرابتكم
ودامَ حبٌ بحبل الله متصل

(تسنيمكم) و(عُبيدُ الله) مَطمحُنا
لنيل قربي بشرع الله تكتمل

ودام ما كان للرحمن متصلاً
وكل شيء لغير الله منفصل

فسامحونا إذا التقصيرُ راودَنا
وليسبق السيفُ إن طفّ الأذى العذل

أبناءُ آدم خطاؤون أجمعُهم
ونحن منهم ، ففينا النقصُ والخلل

وخيرُهم مَن لهم توبٌ يُجمّلهم
فلا يكونُ لهم – عن رُشْدهم - حِوَل

واللهُ يقبلُ من يأتيه مُعترفاً
بذنبه ، وله – في قلبه - وَجَل

وقد نرى منكمُ الهنّات بارزة
فسوف ندعو لكم كي يُغفر الزلل

إذا اختلفنا تحاكمنا لشِرعتنا
لا للهوى ، إذ له هتافة جُهُل

ابني العزيز أنا أوصي فكُن يقِظاً
لمَا أقول ، فلا أراك ترتذل

احرص على طاعة المولى تعشْ رجلاً
إن المطيعَ لمَولاهُ هو الرجل

وكن تقياً نقياً صالحاً ورعاً
مهما تعددتِ الأهواء والنحل

واربأ بنفسك أن تحيا بلا قِيم
وهل حياة بغير الدين تعتدل

واحرصْ على مِلة التوحيد واحْي لها
مهما تزخرفتِ الأديانُ والملل

الدينُ يا ولدي الإسلامُ ليس سوى
فهل سُرورٌ - بغير السِلم – يكتمل؟

إني ادخرتك للإسلام فارسَه
فعشْ عليه إلى أن يأتي الأجل

أوصيك خيراً ب (تسنيم) وأسرتها
فلا أركَ – على اللاشيئ – تنفعل

لها حقوقٌ أتت في الشرع واضحة
عن جُلها أغلبُ الأزواج قد غفلوا

وعظمتْ سُنة المختار زيجَتها
وليس عن فعل ما قد أوجبتْ حِوَل

وأدّ حق أهالي الزوج مُحتسباً
وصِلْ إذا بدأوك القطعَ أو وصلوا

وكن بأهلك براً محسناً رَؤُفاً
ولا تغالط ، ولا تنسَ الذي بذلوا

وقم بما ينبغي للأهل قاطبة
ولا يكنْ جهدَك التمويهُ والدجل

وقم بحق ذوي الأرحام إن لهم
أيضاً حقوقاً بها يستشرفُ البطل

واقرأ وزوجُك ما في الذكر من عِظةٍ
ولا تكن كالألى بربهم عدلوا

وادرسْ شريعتك السمحاءَ أنت بها
عبدٌ يُتابع مَن نصوصها امتثلوا

واعملْ لآخرةٍ يوماً تفوز بها
واعلمْ بأنك - عن دنياك - مرتحل

والدهرُ يومان: يومٌ في بُلهنية
وآخرٌ نحِسٌ ، أيامنا دُوَل

وجُدْ على الصحب والأهلين تأسِرُهم
وليس يُشبه غمرَ الوابل الوَشل

واصدق إذا قلت صدقاً لا يضارعُه
صدقاً ، ولا يختلط بصدقك الخطل

وأنت أنجبُ مَن رُزقتُ مِن ولدٍ
فلا يكنْ صارفاً عن نبلك الكسل

(تسنيمُ) أنت فكن عبداً تكنْ أمَة
في عِيشةٍ مَلْؤُها الودادُ والغزل

وكنْ رحيماً بها في الأمر تطلبُه
لا يستوي الصابرُ المفضالُ والعَجِل

قد لا تبوحُ بآلام تكابدُها
لأن صارفها - عن بَوْحها - الخجل

وكنْ إذا نصحتْ بالحق مُنتصتاً
كم بالنصائح يخبو الزيفُ والدغل

وكنْ إذا حَلَتِ الدنيا على وجل
كم يستفيد – من التجارب – الوجل

واستثمر الوقت ، لا تغررك وَفرته
صِنوان عمرُ الفتى والعارضُ الهطل

واحذر أمانيّ نفس ليس يردعُها
إلا تقيٌ – على الرحمن - يتكل

وارعَ المروءة في سِر وفي عَلن
ذوو المروءات كم إلى الذرى وصلوا

ولا تصاحبْ رذيلاً ما له شرفٌ
إنْ رُمت نجدته ، فغوثه العِلل

والجارُ أهلٌ ، فكن أهلاً له أبداً
ولا تُبَدّل ، لقد يُزري بك البدل

والزهدُ منزلة تسمو بصاحبها
وأهله قسوة المَعايش احتملوا

ولا تنافسْ على الدنيا أوابدَها
لأنهم لحضيض الأرض قد نزلوا

ولا تجادلْ عن العُتاة ما سمعوا
منك الجدال ، وما انصاعوا ولا قبلوا

ولا تدافع عن الطغاة ضِقتَ بهم
ذرعاً ، وأنى لهم أن ينفع الجدل

وابذل خيورَك في قوم تعيشُ لهم
وجدّ في الأمر ، لا تعبأ بمن هزلوا

وانفع ذويك بما أوتيت من رشدٍ
كي يستفيد فتىً أودى به الضلل

لا تنس أمك من ساقت عطيتها
حتى تحققتِ الغايات والأمل

بالمال والسعي هذي الأم ما بخلتْ
فاشكر لها ذلك المعروف يا رجل

تالله ما استوتا أمٌ وقد بذلت
بالأم ديدنها التقتيرُ والبَخَل

وكن أديباً أريباً يَستدَلّ بما
يقوله خيرُ أقوام إذا اعتدلوا

وادعُ المليك إذا دَهتك قاصمة
لعل جُرحاً إذا دعوت يندمل

مَن ذا رأيت بلا كرب ولا كبَدٍ؟
تفنى الحياة ، ويبقى للأسى طلل

مَن ذا رأيت بلا دمع ولا ألم؟
فبالدموع لكم تقرّحتْ مُقل

أوصيك بالشعر خيراً إن دنا أجلي
فلا يموتُ معي يوماً ، وينجدل

انشره بعدي لمن يهوى قراءته
حتى تُرى العينُ بالأبيات تكتحل

وادفع به للذي يرجو دراسته
حتى يزول غريبُ اللفظ والدخل

واقرأ قصائده فرداً ، وفي مَلأ
قراءة المشتهي له به شغل

إني أرى الشعرَ ظِلاً في هجير لظى
وفي الحَرور لكم تستعذب الظلل

تبقى الدواوينُ ذكرى بعد شاعرها
أقول هذا بصدق ، لست أفتعل

وكل بيتٍ كقرطاس حوى عسلاً
وطاب للآكل المستكثر العسل

اقرأ و(تسنيمُ) ما خطتْ يمينُ أب
بالشعر بيّن ما جاءتْ به الرسل

وما أردتُ بشعري المال عن رغب
ولا مدحتُ الألى دينَ الهدى خذلوا

وما تغزلتُ في (ليلى) أهيمُ بها
كلا ، فبئس الصُوى والنصُ والجُمل

ولا مدحتُ الطواغي أستعز بهم
ولا نزلت لهم على الذي أملوا

بيني وبين الطواغي البونُ متسعٌ
لا يستوي السهلُ في القياس والجبل

ولم أجامل بما سطرته فئة
من الغفاة الألى لغيهم وُكِلوا

ولم أزيّنْ أباطيل الألى فسقوا
أو الذين حدودَ الله قد جهلوا

ولم أروّج لما أملاه مرتزقٌ
أخشى عليه الألى أقواته كفلوا

رباه أتممْ لعبد الله فرحته
فمنك وحدك غنمُ المرء والنفل

وجُدْ عليه بخير لا حدودَ له
وارزقه يا رب نجْحاً ما به فشل

واعصمه مِن سُرعةٍ تودي بحِكمته
وارزقه حِلماً يُماهِي جهلَ مَن جهلوا

وامنحه عدلاً فلا يجورُ منتقماً
واكتبه عندك في ديوان مَن عدلوا

وصلّ رب على المختار أسوتنا
والآل والصحب هم أسلافنا الأول

مناسبة القصيدة

(ما إن أقدم ابني عبد الله على الزواج من فتاة نحسبها صالحة ولا نزكي على الله ربنا أحداً! حتى رأيتُني أسطر معلقة لتهنئته بهذه المناسبة الطيبة المباركة! وإن كانت تجاوزت المائة وخمسة وعشرين بيتاً من البحر البسيط على قافية اللام ، فإنني جعلتُها منهجاً تقوم عليه الحياة! وأرجو أن يجعلها العروسان منهجاً لهما!)
© 2024 - موقع الشعر