تلك عقبى الظلم! - أحمد علي سليمان

لا ينفعُ الظلمُ مهما اشتدَّ مَن ظلما
والظالمُ الدَّهرَ يشكو الضنكَ والنقما

مهما بدا الظلمُ مَغروراً ومُنتفشاً
أبئسْ بمَن جارَ ، إذ يُصارعُ الإزما

ولا ترى ظالماً بالخير مُلتحفاً
إلا ويُوبقه ظلمٌ به اتهما

وكم حوتْ كتبُ التاريخ مِن قصص
للظالمين ، ومنهم ربنا انتقما

وكم حوتْ عِبَراً أخبارُ مَن ظلموا
تُفيدُ تاليَها كهلاً ومُحتلِما

وكم حكايا لمظلومين ما ركنوا
إلى الألى ظلموا واستمرأوا الجُرُما

كأنها قصة مَكرورة كُتِبتْ
وكان حِبرُ الألى خطوا النصوصَ دما

لا يظلمُ الناسَ أحرارٌ أشاوسة
يستصحِبون إذا ما أحسنوا الهمما

يُجاملون لهم سِيما تُجَمِّلهم
ويرفعون عن الخلائق القحَما

ويُنفقون فلا الأملاقُ يَلحقهم
وجُودُهم قد تحدِّى العارضَ العرما

والآن أحكي عن الأنثى التي فجَرتْ
ولم تخفْ في التجني الواحدَ الحكما

واللهُ زوَّجَها مِن صالح رَؤُفٍ
سَمَتْ مناقبُه ، بربِّه اعتصما

أحبَّها الحُبَّ (قيسٌ) ليس يعرفه
وكان عيشُهما بالودِّ متسما

لكنَّ (ليلى) نأتْ عن غدر هازلةٍ
في قلبها طمَعٌ يُصارعُ النهما

وذات يوم بدَتْ للزوج بادرة
وأمرُها لم يكن – حاشاه - مُنبهما

بل واضحٌ مثل شمس في السما طلعتْ
فصارحَ الكل بالأمر الذي عزما

فقال: أرضي التي في الرِّيف أملكها
بلا بناءٍ عليها تُشبه العدَما

فلو بنيتُ عليها كنتُ منتفعاً
وشارك الصِّهرُ أبدى الحرصَ والشيما

وقال: تبني لها عمارة ، وأنا
أعطيك قرضاً لتمضيْ في البنا قدُما

لا تأخذِ القرضَ من (بنكٍ) بفائدةٍ
إني لكم أبذلُ الجميلَ والخِدَما

فسجَّلَ الأرضَ باسم الأهل مؤتمناً
على العمارة قوماً غلبوا القيما

حتى إذا بُنيتْ ، والقرضَ سدَّدَه
بانتْ مطامعُ منها الزوجُ قد صُدِما

فالزوجة افتعلتْ أنكى مشاكلها
لكي تُمَهدَ للطلاق مُغتنما

وأصبح البيتُ في ميدان خندمة
وبات بالنار نار الكيد مُضطرما

فعاد للصِّهر زوجٌ بائسٌ وجِلٌ
يرجو الخلاصَ يَخافُ المَرتعَ الوَخِما

فقال: بنتي لها حرية كُفِلتْ
وأنت فوَّضتني فيما جرى حَكَما

طلقْ ، وعشْ عَزباً ، فتلك رغبتُها
تراك بنتي مريضاً طاعناً هرما

فقال: رُدُّوا إذن عمارتي ، وأنا
أطلق الزوجَ لن أسترحمُ الندما

فعاندَ الصِّهرُ مُستلاً حماقته
وأصبح الزوجُ في التنظير مُنهزما

إذ العمارة صارت ملك زوجته
في موقفٍ باع فيه الطغمة الذمما

وأصبح الزوجُ في العراء مسكنُه
رأى سواءاً به الإصباحَ والغسَما

وناصحَ الأمَّ إبنٌ فيه منقبة
وقال: ظلمُكِ يا أمي غدا ظلَما

رُدِّي العِمارة ، خافي الله ، وانتصحي
ماذا دهاكِ؟ أمنت البؤسَ والوصَما؟

أما حباكِ أبي الودادَ مؤتلقاً
كيف استبتِ أمانَ العيش والحُرُما

أما اعترفتِ لنا: هذي عمارتُه
وكذبوا النص والقِرطاسَ والقلما

ماذا تغيرَ يا أماه ، عيشتُنا
أمستْ تقاسي الضنا والكَربَ والغمما

عُودي لقد يُصْلحُ الرحمنُ عائلة
بشؤم فعلكِ أضحَتْ تجْرَعُ السأما

فغلبتْ أمُّه التوبيخ عن رغب
ولومُها كان بالأغلاط مرتسما

وهددتْه ، فلم يَعبأ بما جهرتْ
وهل تردُّ رحى التهديد محترما؟

وفارق البيت ، ثم اختارَ كهفَ أب
وزايل الظلمَ والتعييرَ والغشما

وذات يوم تحدَّى الشوقُ قلبَ أب
فاشتاق لابنته ، واستشكلَ الألما

قادتْه رجلاه حتى سور جامعة
وإذ رأى ابنته تكلف العشما

ألقى السلامَ عليها باسماً فرحاً
ومدَّ كفاً تذرُّ الحُبَّ والسلَما

فجَرَّعتْه سُمومَ البُغض عامدة
وناولتْه لقاء الألفة الجَحَما

فقال: يا غادتي أما عرفتِ أباً؟
أم صابَ عيناكِ يا بنت الكرام عمى؟

ولم تمُدَّ له كَفاً يصافحُه
فأرسلَ اللومَ بالعَبْراتِ مبتسما

وبعدها لم يَفهْ بقول معتذر
فالقولُ أصبح في التبرير معتجما

وناشدتْه بأن يبقى مفارقها
كأنما صاحبٌ وتِربُه اختصما

تراه كلباً ، وقالتْها بلا حرَج
فاستعذبَ الصمت والسكوت والبكما

وأجهزتْ جَلطة في المُخ عاجلة
على أب لاكَ ضنك الحال والسَّدَما

وقال: عند مليك الناس مَجمعُنا
ولا يَخيبُ الذي يُحَكمُ الحكما

وقال للإبن: راض عنك يا ولدي
للهمَّ ذللْ له الأحوالَ والنسما

وحسبيَ اللهُ في أم وفي ابنتها
فليس ما أنزلا بيْ اليومَ مُنعجما

ومات مِن فوره أبٌ تمَلكَه
قهرٌ تضيقُ به أرضُ الدنا وسما

والأم جندلها في كِليةٍ فشلٌ
والموت أصبحَ ممن أجرمَتْ أمما

بالأمس قد ظلمتْ زوجاً وعائلة
ونفسَها ظلمتْ ويلٌ لمَن ظلَما

وحَلتِ النقمُ الدهيا بما اجترحتْ
فاليومَ تستفظِعُ البلاءَ والسَّقما

أما أبوها فمَفصولٌ ومُختلسٌ
والسجنُ مَوئلُ مَن تُودي به التهم

والابنة اتهمتْ ، والسجنُ موعدُها
من بعد كان بيت الوالدين حِمى

والابنُ شق طريق الخير نحو غدٍ
يصبو إليه ، وبالرحمن معتصما

وزايلَ الظلمَ والظلّامَ مرتقباً
متابَهم ، إنه للدرس قد فهما

مَن عاش يَظلمُ خلق الله ، إن له
يوماً يرى الله قهاراً ومنتقما

مناسبة القصيدة

‏(تحكي امرأة مجرمة عن نفسها فتقول: لقد ظلمتُ زوجي ، لدرجة أنه تُوفيَ بسبب القهر الذي أصابه بسوء معاملتي وظلمي له ، ولكن الله انتقم مني ومن ابنتي التي اتبعتني في الإجرام بعد ذلك. فما تفاصيل هذه القصة؟ تقول المرأة عن نفسها: أنا إمرأة جميلة بشهادة الجميع ، وبعد تخرجي من الجامعة تقدم لي جاري الذي يعمل طبيباً ومحاضراً في كلية الطب ، فهو أستاذ طبيب ، وحاصل على ثلاث رسائل دكتوراه في جراحة المخ والأعصاب. وذاع سيطه وكألنه (خليفة الدكتور مجدي يعقوب) في جراحة المخ والأعصاب. وجاءه المرضى من كل صوب وحدب ، وحقق نجاحات كثيرة كانت سُلمه إلى المجد والشهرة والمال والثراء. وتمتع مع ذلك بالتواضع والرحمة والخلق الحسن. ووافق أهلي على هذا الزواج على الفور ، حيث كانت أي فتاة في ذلك الوقت تتمنى الزواج بمثل هذا الزوج الناجح المتفوق الكاريزمي الناجح الموفق ، وذلك لمكانته الاجتماعية ومكاسبه المادية. وبنى زوجي عمارة وكتبها باسمي رهناً لدين اقتضاه من والدي وبعد بنائها طمعت فيها وأنكرت إرجاعها له. وتكلم ابني مهندس البترول معي وقال لي أن العمارة باسم أبيه ، ويجب أن أعيدها له ، وابني هذا صنو أبيه في الرحمة والتواضع والخلق الطيب ولين الجانب ، فقمتُ بطرده هو الآخر من المنزل. فقال ابني: ما دامت هذه أخلاقك يا أمي فأنا أتبرأ منك ، وذهب مع أبيه وقام بإيجار شقة وسكن معه ،‏ أما ابنتي فكانت تقف معي وصرتُ أحرِّضها ضد والدها. وفي أحد الأيام اشتاق طليقي لابنته ، فذهب لها في الجامعة ليراها ، وعندما أراد أن يسلم عليها رفضت أن تمد له يدها ، وطلبت منه ألا يأتي لها مرة أخرى في الجامعة لأنها تعتبره مجرد كلب. فانصدم أبوها من ذلك الكلام ، إذ كيف تقول ابنته التي يحبها مثل ذلك الكلام ، وأصابته صدمة عصبية وجلطة في المخ ، وتوفي في المستشفى التخصصي بعد أسبوع من ذلك الكلام.‏ وقال طليقي لابني الذي كان يرافقه وينفق عليه قبل موته ، وكانت هذه كلماته الأخيرة التي تشهد بعدها ثلاثاً وفارق الحياة: (إذا مت فقل لأمك وجدك: أنا غير مسامحهما لأنهما أكلا حقي الذي اجتهدت فيه في كل عمري ، وأختك أيضاً لست أعفو عنها ولا أغفر لها ، لأنها قالت لي بأنها تعتبرني كلباً ، وعند الله يوم القيامة ستجتمع الخصوم ويأخذ كل ذي حق حقه ، أما أنت يا بني فأنا راض عنك في الدنيا والآخرة ، وأدعو الله بأن يخلف عليك وأن ييسر لك الحال ويكفيك الجشع والطمع والجاهلية ، وأن يرزقك تقواه والعمل بأمره واجتناب نهيه). وقام ابني بتسجيل كلمات أبيه المحزنة المبكية تلك بصوت واضح بالجوال ، وأسمعها لي ولأخته ولأبي وللقاصي والداني ممن نعرف وممن لا نعرف وبعد وفاة طليقي سافر ابني للعمل في الخليج ، وانقطع عنا تماماً ، وصار لا يتصل بي ولا بأخته ولا بجده ، ولا أعرف عنه أي أخبار بالمرة وجاء ثلاثتنا الدور في انتقام الله من الظالمين المجرمين الثلاثة لتتحقق العدالة الإلهية والمقاصة الربانية: (أنا وأبي وابنتي). فأما والدي فتم فصله من البنك بتهمة اختلاس 20 مليون دولار ، وتم سجنه ومصادرة جميع ممتلكاته ، وهو الآن مريض في سجنه ، والحكم أن يبقى حتى السداد.‏ وأما ابنتي فصارت مدمنة مخدرات ، وبعده تحولت من مدمنة إلى تاجرة محترفة ، فصارت تتاجر في المخدرات ، وتم القبض عليها ، وهي الآن مسجونة مدة 10 سنوات في السجن. وأما أنا فلقد أصابني الفشل الكلوي ، وصرت أعمل غسيل كلى ثلاثة مرات في الأسبوع ، وأيضاً أصبت بالشلل ، ولا يوجد حولي أحدٌ يساعدني. وانتقم الله مني في الدنيا قبل الآخرة ، لأني ظلمت والد أبنائي ، وأنا الآن في أشد الندم ، ولكن لا ينفع الندم بعد فوات الأوان. لقد ضاع مني كل شيء: الزوج والابن والبنت والأب والحياة. ومن هنا شمرت عن ساعد الجد ، وكتبتُ هذه القصيدة ، وأعطيتُها عنوان:- (تلك عُقبى الظلم). فعسى الله تعالى أن ينفع بها من قــرأ ، ومن نشــر ، ومن عمــل. إنه ولـــي ذلك والقــادر عليه.)
© 2025 - موقع الشعر