صدقة الفطر طعام! - أحمد علي سليمان

لماذا تُبالغُ في الهَذرمة
وتُوغِلُ في الفتنة المظلمة؟

وتُدْلِي بدَلوكَ مستنكِفاً؟
وتُشْهرُ سيفك في المَلحمة؟

وتحتالُ حتى يَروجَ الهوى؟
وتفرضُ رأياً طواه العَمَه؟

وتلوي الأدلة تُزري بها؟
أليستْ أدلتُنا مُحْكمة؟

وتطعَنُ في النص مُستكبِراً؟
أليستْ دِلالتُه قيِّمة؟

وترمي بجهلك أعلامَنا؟
وتختالُ بالحُجَّة المُوهِمة؟

زكاة لفِطرك قد شُرِّعَتْ
وتُخرَجُ – يا جاهلاً – أطعمة

ومِن إسمها اشتُقَ تشريعُها
فكُف عن الخوض والهذرمة

وأخرجَها (المصطفى) طعمة
ولم يُعطِ أصحابَها درهمَه

وأخرجَها صَحبُه هكذا
طعاماً لطائفةٍ مُعدِمة

وسُقنا الأدلة يا هازلاً
وسُقنا لك الحُجَّة المُفحمة

وسُقنا تراجُمهَا حِسبة
أمامَك ترجمة ترجمة

وسُقنا الشرُوحَ ، فلم تقتنِعْ
ولم تكُ ألفاظها مُبهمة

وسقنا التفاصيلَ مبسوطة
ولم تكُ زبدَتُها مُعْجَمة

فأعملت فِكرَك مُستهزئاً
ومالَ انفعالك للطرثمة

وفندتها فكرة فكرة
ورُحت تُجاهرُ بالبَرطمة

وجئت بأقوال مَن أعرضوا
ومَن أخضعوا الشرعَ للعَولمة

وناظرتَ بالجهل أهلَ الحِجا
بنفس لغيِّك مستسلمة

ومارَيتَ أهلَ الهوى قانعاً
بما قالتِ الأنفسُ المُحجمة

وأغراك ما أشهروا مِن هُرا
بنفس بهذا الهُرا مُغرَمة

وأشقاهمُ جَدَّ في هزله
كرامٍ رَمَى – في الوغى – أسهُمه

وعابَ أدِلتنا ، ما ارعوى
ودَوَّنَ في دَحضِها مَلزمة

فرُحنا نُطالِعُ ما خطه
فكان التحايُلُ فيها سِمة

وتغليبَ أهواءِ غِر غفا
وساقَ الفِرى فجَّة مظلمة

فهل تدحَضُ الحقَّ هذي الفِرَى؟
وهل للفِرى عندنا مَكْرُمة؟

وهل الارتزاق له حِصة
لدى الأنفس الفذة المسلمة؟

أتُعمِلُ فِكرَك في شرعةٍ
أتتْنا مُبيَّنة مُحْكمة؟

فصاعٌ مِن التمر ، أو غيره
عن الحُر والعبد ، بل والأمَة

تُؤدَّى قبيلَ الصلاة ، فلا
تُؤخِرُ إخراجَها حَمحمة

صحيحُ الحديث أقرَّ بها
لماذا التخرُّصُ والبَرطمة؟

فيا (زيدُ) أقصِرْ ، ويا (عَمْر) تُب
وكُف عن الخوض يا علقمة

ويا (سعدُ) حَكِّمْ نصوصَ الهُدى
وحَكِّمْ ضميرك يا أصحمة

وراجعْ نصوصَك يا مُسلماً
ألا اسْتفتِ قلبَك يا (شُبرُمة)؟

ويا ربنا اقبلْ قصيد الفتى
ويا ربنا اغفرْ لمن عَلمه

مناسبة القصيدة

(ما من عام يمر إلا وتدور رحى المعارك والأقلام حول إخراج صدقة الفطر. ويدور الجدل الذي يخوض فيه كل من هب ودب. وتشتعل الحروب في كل واد ، ويُشارك في أطراف صراعها وسُعارها العالِم والجاهِل. وكأن أمة مسلمة تقوم على أمر دينها ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتجاهد في سبيل الله ، وتنشر دينها على العالمين فاتحة البلاد وقلوب العباد لذلك الدين ، ثم هي تكتشف فجأة أنها لا تدري هل يُخرج أفرادها صدقة الفطر طعاماً أسوة بالنبي – صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين لهم وتابعيهم ، أم يُخرجونها فلوساً أسوة بالمنهزمين الذين يُخالفون كتاب الله تعالى وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم ، ويُحَكمون العقل في النقل؟ وكل فريق من هذه الفرقاء المتنازعة المتصارعة يتبارى بأدلته النقلية والعقلية. ومذ كنتُ فتىً يافعاً في الصف الأول الثانوي ، وأنا أفكر في نص شعري عن صدقة الفطر يذهب إلى وجوب إخراجها طعاماً من غالب قوت البلد لموافقة السنة المطهرة وعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – وعمل صحابته الكرام وعمل التابعين وتابعيهم بإحسان. ولكن لم تكن المَلَكة الشعرية حينذاك قادرة على صياغة مثل هذا النص. ولمَّا ألان الله تعالى لي فنون البيان ويسرَ لي العروض والقافية ، ها أنذا أحقق أمل الفتى بعد أن أصبح رجلاً وأقولها بصدق وأعنون لقصيدتي بصراحة: (صدقة الفطر طعام يا قوم). أنتم لا تيَسِّرون على الفقير ، بل تأخذون حق الفقير ، وتنهبونه وتضيعونه عليه ظلماً وعدواناً. ولكن ليكن معلوماً أن المسألة الشرعية تُلتمس في مظانها. من أجل ذلك كله رأيت أن أدلي بدلوي في هذه المعمعة ، في محاولةٍ مني لإرجاع الأمر إلى نصابه ، ورد القوس إلى باريها. وليكن ذلك مني هنا شعراً ونثراً ، بهذه المقدمة الشرعية والواقعية ، والتي لا تنقصها الصراحة والصرامة معاً. عسى الله أن ينفع بكلامنا نثرً أو شعراً.)
© 2025 - موقع الشعر