لماذا تخجلنا الحقيقة؟! - أحمد علي سليمان

نفِرُّ مِن الحقيقة دون عُذرِ
وتكشِفنا الثوابتُ بالتحرِّي

ونُظهِرُ للورى ما ليس فينا
وتُهدينا المظاهرُ كلَّ شر

ويَقتلنا الترائي والتجني
ويُوردُنا التكلفُ كلَّ ضَير

نخادعُ بعضنا دون اعتبار
ويَكذبُ جُلنا في كل أمر

وإن الصدق مصدرُ كل عِز
فكم بالصدق نحصدُ كل خير

يُزيلُ الصدقُ غائلة التدني
وصدقُ المرء يَرجَحُ أي هتر

وكم بالصدق كم حُلتْ قضايا
فجَنبتِ الخلائق شر خُسر

وتُلبسُنا الحقيقة ثوبَ مجدٍ
ويُلبسنا التعففُ ثوبَ فخر

لماذا لا نواجهُ كل فردٍ
بحال ذِكرُه يُخزي ويُزري؟

وهل تبقى الزخارفُ كل حين
لتُخفيَ عن فقير قبحَ فقر؟

وهل يُخفي التجمُّلُ شَينَ عَبدٍ؟
وهل يُزري الوضوحُ بزين حُر؟

ألا إن الحقائق لا تُوارى
ويَدريها الذي هو ليس يدري

لديك الشيء قل: عندي ، وواجهْ
وإن يكُ ليس عندك لا تُوَرِّي

وجابهْ بالحقيقة مَن تلاقي
ولا تُخبرْ بشيءٍ ليس يَجري

ولا تكذبْ ، فإن الكذْب عارٌ
وإن وَجد الذي بالطوع يُطري

رأيتُ الصدقَ يَعشقه النشامى
ولا يرضى بصدق أهلُ مَكر

وما من صادق إلا تسامى
وحقق عزة في ظِل نصر

هي الدنيا صِراعٌ ، والبرايا
يَجُوسون الجِلادَ بدون حِذر

ويُفلِحُ صادقٌ يَحتاط دوماً
وفي الهيجا يقومُ بخير دَور

وإني قد بلوتُ الصدقَ دهراً
لذاك صدقتُ في نثري وشعري

مناسبة القصيدة

(كان هناك ثلاثة أصدقاء: الأول غني ميسور ، والثاني والثالث في عِداد الفقراء! فقرر الغني أن يكون إفطارهم كل يوم في بيتِ واحدٍ منهم ، فكان اليوم الأول من نصيبه ، فأخبر الخدم أن ينظفوا البيت ، وأوصى الطباخ أن يهييء لهم أطيب الأكلات ، وفعلاً تم له ما يريد ، وحضر أصدقاؤه ، وأكلوا ما لذ وطاب من الطعام. ثم جاء اليوم الثاني ، وكان من نصيب الصديق الثاني! فأخبر والدته وطلب منها أن تهيئ له من الطعام ما لا يقل عن صديقه الغني ، فقالت له: من أين نأتي بأرقى الطعام ونحن لا نملك نقوداً ، فصرخ في وجهها. وقال لها: دبري حالك ، لا أريد أن أكون أقل منه ، فذهبت الأم واستدانت من جارتها ، وقامت بشراء أطيب الفواكه وطبخت أطيب الطعام ، وتمت الدعوة بسلام. وفي اليوم الثالث وكان من نصيب الشخص الثالث ، فأخبر والدته بالأمر ، فغضبت من تصرفه قائلة: عليك أن لا تحضر دعوتهما من البداية حتى لا تضطر لهذا الموقف المحرج! فمن أين سنأتي بالطعام والشراب الذي يليق بهما؟! فاعتذر لها وقبل رأسها وقال: لقد أحرجت من الموقف يا أمي ، ولم أستطع أن أرفض فقد وضعت أمام الأمر الواقع ، صدقيني لم أكن أرغب بأن أكون في موقفٍ كهذا ، ولكن ما باليد حيلة ، لذا أحضري ما نأكله كل يوم وسيأكلون مما هو موجود ، هذا حالي ولا أخجل منه ، فلا تقلقي يا والدتي العزيزة! فأتيا ولم يكن في سفرة الإفطار سوى صحن فيه تمر وكاسات لبن وماء وبعض الخبز وبيض مسلوق ، ودخلوا للغرفة فإذا بهما يتفاجأن بما هو موجود في السفرة ، فجاء الصديق الثاني وهو الفقير ونظر الى الطعام وقال: أهذا هو احترامك لنا؟! لو كنا نعلم أن دعوتك لنا ستكون هكذا لما أتينا ، وفي هذه الأثناء تقدم الغني إلى السفرة وشكر صاحب الدعوة وبدأ يأكل قائلاً: صدقني إنني لم أذق طعم البيض من سنوات؟! كم هو لذيذ! وبدأ يأكل بشراهةٍ! فتعجب الثاني من كلام الغني وانزعج ، وقال: سأذهب إلى أقرب مطعم حتى أفطر ، فطعامك هذا لا يفي بالغرض. فخرج وبقيا وحدهما يأكلان ، وبعد أن انتهيا من الطعام ، سأل صاحب البيت صديقه الغني عن سبب بقاءه ولماذا لم يفعل كما فعل صديقهما؟! فقال الغني: يا أخي المال والطعام لا يُحددان قيمة الشخص. فهذه الأمور وقتية وسيأتي يوم ربما ستكون أنت أغنى مني. بالمناسبة أنا تعمدت أن يكون إفطارنا كل يوم في بيت واحد منا ، وأنا أعلم بحالتكما المادية ، ولكنني أردت أن أختبر وجهيكما! وأود أن أشكرك جداً على عزومتك للذي كان صديقنا ، ففي هذا اليوم عرفت وجهه الحقيقي ، وعرفت أنه لا يستحق الصداقة! فكما شاهدته بأم عينك أحرجك أمامي وتخلى عنك وباع الصداقة بطعام لا يعجبه رغم أن وضعك ووضعه متساويان لكنه لبس ثوب التكبر ليوهمني أنه غني ولا يعلم أن والده وإخوته يعملون في مصنع يعود لوالدي أما أنت فأنك شخص واقعي يعيش حياته بدون أي تصنّع أمام الجميع ، لم تخجل من كونك أقل مني وهذا ما أعجبني فيك جداً! لذلك قررتُ أن تكون شريكي في مشروعي الجديد ، كوني كنت حائراً مَن اختار منكم! ولكن موقف اليوم قد خدمني كثيراً! إنها حكمة فذة!)
© 2024 - موقع الشعر